Sur la littérature de l'Égypte fatimide
في أدب مصر الفاطمية
Genres
14
هذا كل ما نعرفه عن واضع هذه السيرة، ونستدل من هذه السيرة أنها صنفت في عهد العزيز بالله الذي ولي سنة 365ه، وتوفي سنة 368ه، ولكننا لا نستطيع أن نحدد السنة التي ألفت فيها،
15
ونرجو أن نوفق إلى نشر هذا الكتاب قريبا.
السيرة المؤيدية
لا أكاد أعرف كاتبا من كتاب المسلمين، سبق المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي داعي الدعاة - الذي تحدثنا عنه من قبل - في تصنيف كتاب خاص لسيرته. فقد ترجم لنفسه في هذا الكتاب، بفصل من تاريخ حياته، أي من سنة 429ه إلى سنة 450ه، وأودع هذا الكتاب بعض رسائله ومناظراته العلمية المذهبية. ولما كان المؤيد ممن أسهم في الحياة السياسية في هذه الفترة، فهو يوضح جهوده وحركاته وسكناته منذ كان في بلاط أبي كاليجار البويهي بفارس، فوصف المؤيد حياته في هذه البلاد، كما وصف هذه الحياة التي كان يحياها السلطان مع الندماء، وصلة السلطان بالعباسيين، وكان المؤيد متصلا برجال المستنصر الفاطمي من وزراء وكتاب ودعاة، فاضطر إلى أن يتحدث عن شيء من أسرار هذا العصر الغامض المضطرب، وأسرار وزراء مصر في ذلك العصر، وذهب المؤيد لمؤازرة البساسيري في العراق، واجتمع بعدد كبير من أمراء العرب والأتراك والأكراد، فتحدث عن هذه الحركة السياسية التي كادت تقوض أركان العباسيين، فالكتاب على هذا النحو ليس ترجمة للمؤيد فحسب، بل هو مصدر هام للحياة السياسية والاجتماعية في القرن الخامس الهجري؛ لأن المؤيد ترجم لنفسه من حيث علاقته بالمجتمع الذي عاش فيه، والكتاب قيم جدا في دراسة هذه السنوات الإحدى والعشرين التي كان بها أحداث وخطوب، وكان لها أثر قوي في مجرى الحياة الإسلامية عامة، ولقيمة هذا الكتاب نشرناه،
16
فهو في متناول القراء الآن.
وهكذا كانت حركة التاريخ والسير قوية في مصر الفاطمية كما كانت قوية قبل عصر الفاطميين، ففن التاريخ وروايته من الفنون التي ازدهرت في مصر في عصورها المختلفة، شغف به المصريون فأكثروا من روايته وتدوينه. (5) خاتمة القول في الحياة العقلية
قلنا إن العقائد الفاطمية كانت ميدانا فسيحا للعقل، وإن الفاطميين أفسحوا صدورهم للدراسات الفلسفية في وقت كانت فيه هذه الدراسات موضع هجمات عنيفة في الأقطار الإسلامية الأخرى، بل رأينا الفاطميين يأخذون من النظريات والآراء الفلسفية والدينية القديمة، ويصبغون هذه الآراء والديانات بالصبغة الإسلامية بما يتفق مع العقائد التي بشروا بها، فأعطوا لأنفسهم من حرية التفكير وفي الأخذ عن القديم، والاجتهاد في المذهب، ما لا نراه عند غيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى، ولكن هذا الاجتهاد وهذه الحرية الواسعة في الفكر كانت مقيدة بموضوع الإمامة؛ فكل مؤلفات الدعوة الفاطمية، ومجالس حكمتهم، كانت تدور قبل كل شيء حول صاحب النص المعصوم، وتثبيت إمامته، وإظهار الإمام بمظهر الجلال والقدسية، فكأن الفاطميين في مصر قد أعادوا إليها شيئا من الحياة الفكرية التي كانت بالإسكندرية منذ عهد بطليموس؛ إذ كان أهم الدراسات بالإسكندرية استرضاء الحكام وإشباع غرورهم بإسناد الفضائل كلها إليهم وإلى أجدادهم، بيد أن دعاة الفاطميين اتخذوا التعاليم ذريعة للوصول إلى غرضهم، فأدخلوا في الدين ما وصلت إليه الفلسفة الهلينية والأفلاطونية الحديثة، وبعض الإسرائيليات والمسيحيات، وآراء هرمس الحراني، وغيرها من الآراء القديمة، وذلك كله لإسباغ الفضائل كلها على الأئمة من أهل البيت، فكأنهم قالوا بحرية الفكر إلى أبعد مدى هذه الحرية، ولكنهم مع ذلك قيدوا هذه الحرية بالإمامة.
Page inconnue