الطباعة والصحافة
:
الكتب غذاء العقول، وإذا لم يتيسر للعقل غذاؤه أجدب، والأمة التي تجدب عقولها لا تعرف كيف تحيا حياة الأناسي، وتكون أمة من سائمة.
ولا ريب أن الكتب تيسر ويسهل على الناس اقتناؤها والانتفاع بها, والاستنارة بمصابيحها، إذا كثرت وانتشرت، وساعد أولو الأمر على إذاعة الثقافة.
وقد كان القائمون على شئون مصر في مبدأ نهضتها, من أولئك الذين ألهموا حب الخير، ورزقوا العقل المفكر، والنظر الثاقب، فعملوا على نشر الطباعة في مصر.
ليست مطبعة بولاق أول مطبعة عربية في العالم, ولكن أول مطبعة عربية ظهرت, كانت في "فانو" بإيطاليا، حيث أمر بها الباب "يوليوس الثاني" وأخذت تعمل في سنة 1514 في عهد البابا "ليون العاشر".
وأول كتاب عربي طبع في هذه السنة, هو كتاب ديني -كما هو منتظر- ثم سفر الزبور سنة 1516، وبعد قليل طبع القرآن في البندقية, ولكن الطبعة أحرقت خشية أن يؤثر على عقائد المسيحيين، وطبع كتاب القانون لابن سينا في روما سنة 1593 في مجلد ضخم، وتعددت المطابع العربية في أوربا، وطبعت فيها مئات من الكتب العربية وغيرها1.
أما الطباعة العربية في الشرق، فأسبق الأمم إليها الدولة العثمانية، وقد مر بك كيف اضطر من أراد إدخال المطبعة الأولى لأخذ فتوى من علماء الدين، وأول كتاب طبع بالعربية في الآستانة كان سنة 1728.
وكانت للسوريين محاولات سابقة لهذا التاريخ؛ إذ طبع الإنجيل في حلب بالعربية سنة 1706، وأقدم مطبعة عربية في الشام هي مطبعة "ماريو حنا" الصايغ, في "الشوير" للروم الملكانيين، أنشئت سنة 1145ه- 1732م، ثم مطبعة القديس "جارجيوس" للروم الأرثوذكس, في بيروت سنة 1167ه-1753م, ولكن مطبوعات هاتين المطبعتين لم تتعد بعض كتب الدين، ولم يكن لهما أثر يذكر في نشر الثقافة العربية, ولا في النهضة الحديثة.
وأهم مبطعة انبعث منها النور متدفقا فياضا, يبدد الظلام الحالك المطبق على عقول الأمة العربية، هي تلك المطبعة الضخمة التي أسست في بولاق سنة 1822، وهي إلى اليوم تعد أكبر مبطعة عربية في العالم.
نعم! إن مصر قد عرفت الطباعة المصرية قبل محمد علي؛ لأن نابليون كان قد أحضر معه مطبعة عربية، وحاول أن يصدر بها تلك النشرة المعروفة "بالتنبيه" التي لم تصدر فعلا2, وإنما الذي صدر هو "سلسلة التاريخ" وكان يحررها السيد إسماعيل الخشاب.
Page 40