Faysal Premier : Voyages et Histoire
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
Genres
أن الفضل، كل الفضل، في انتصار العرب في شرقي الأردن هو لشرذمة من الجنود الإنكليز وطابور من الفرنسيين البواسل.
وقد قال المؤرخ الإنكليزي:
3
إن العرب في الحرب خفيفو الحركة، سريعون، مرنون، لا يحملون الثقيل من العدة، وهم في القتال شجعان أشداء.
أما شهادة العرب أنفسهم فأسجل منها ما فيه الاعتراف بفضل غيرهم؛ فقد أجمع من حدثتهم ممن شاركوا في تلك الحملة، وسمو الأمير فيصل في مقدمتهم، على أن الفضل الجم في جمع شمل العربان في بداءة النهضة والتأليف بينهم، إنما هو لشاب إنكليزي يحسن العربية كأهلها، ويحسن كذلك التخلق دون تكلف بأخلاقهم، هو الكرنل لورنس. وقد أخبرني بعض من حاربوا تحت قيادة الأمير زيد أنه لم يكن ليأمر جنوده مرة بالهجوم إلا كان هو في الصف الأول. فإذا فات ذلك الكونت دي غنطو بيرون، المتحامل على العرب والإنكليز تحاملا لا يليق بفرنسي كريم، فكيف يفوته ذكر الكرنل لورنس ولو بكلمة في كتابه؟
إني أسجل الحقيقة كلها، فلا أنسى من له الفضل الأكبر في نجاح النهضة؛ وهو «الخيال» الإنكليزي، الذي لبى دعوته كثيرون من العربان، وفيهم من عشائر القصيم ونجد. قد ينكر جلالة الملك حسين أن أحدا من نجد اشترك في جهاد الأتراك، ولكني اجتمعت ببعض أولئك المتطوعين، فأخبروني بصراحة، عرف العربي بها، أنهم كانوا يحاربون أولا مع الأتراك، فزاد الملك حسين الراتب فانحازوا إليه.
وما كان أمراء العرب أنفسهم ليركنوا دائما إلى البدو؛ فقد قال الأمير علي - الذي كان في المدينة عندما وصل فيصل إليها، فاشتركا في حصارها - إنه لم يتمكن، بادئ ذي بدء، من عمل كبير؛ لأن البدو لم يلبوه دائما، ولم يثبتوا إذا كانوا ملبين. وكذلك الأمير فيصل الذي حاول متابعة الهجوم بعد تخريب سكة الحديد عند العلا، فخرج الأتراك من حصونهم في شهر آب، وحدث بينهم وبين العرب قتال خارج المدينة، خسر فيه الأمير خمسمائة من رجاله، وخسر الأتراك ضعفي هذا العدد، فعادوا إلى المدينة وطفقوا يضطهدون أشياع الشريف من أهلها وينكلون بهم، على أن الأمير لم يتمكن من متابعة ما عده نصرا في تلك الواقعة؛ لأن قواته لم تكن منظمة، وبالأحرى لأن قواته كانت لا تزال من العربان الذين لا يأتمرون بغير أوامر شيوخهم وينفرون من التنظيم.
أما اندحار الأتراك في مكة، فقد أثر تأثيرا عظيما في قوى العدو المادية والمعنوية، فتوقف جمال باشا عن شنق الأحرار في سوريا، وأمر أنور قائد الحامية في المدينة أن يدافع عنها حتى الموت، وضوعفت الحامية في معان للاحتفاظ بخط الحديد، واستؤنفت المواصلة بين دمشق والمدينة بالرغم عما خربه العرب من الخط قرب العلا.
كذلك أوقف الأتراك الأمير فيصلا، فاتخذ لنفسه مقرا حربيا بين العلا وينبع، ولبث ينتظر إنشاء جيش نظامي يدير جيوش البدو؛ إذ إن الإنكليز كانوا قد أسروا كثيرين من العرب وضباطهم الذين حاربوا في صفوف الأتراك، فجاءوا بهم إلى مصر؛ حيث بدأ التجنيد لجيش العرب الشمالي. كان أكثر الأسرى من العراق وسوريا وفلسطين، فلبوا مهللين دعوة الشريف حسين، وفيهم من الضباط الذين اشتهروا بعدئذ في ساحات القتال؛ مثل: جعفر العسكري، وجودت البغدادي، ونوري السعيد، وغيرهم. بيد أن تنظيم هذا الجيش لم يتم حتى أوائل سنة 1917، فلما ظهر في الحجاز ازداد عدد الفارين من جيوش الأتراك المنضمين إلى جيوش العرب.
من أنكر فضل الملك حسين وأنجاله في النهضة لا يستطيع، إذا كان منصفا، أن ينكر فائدتين على الأقل فيها؛ فائدة للأحلاف وخصوصا للإنكليز، وفائدة لعرب سوريا وفلسطين الذين أثارت فيهم مظالم جمال كوامن الضغينة والغضب، فوجدوا في صاحب النهضة الأكبر زعيما يتبعون، وقطب ثأر فيثأرون، ومحط آمال يحققون.
Page inconnue