Le philosophe et l'art de la musique
الفيلسوف وفن الموسيقى
Genres
أما الكنيسة الكاثوليكية، فقد شعرت بالقلق تجاه الموسيقى البوليفونية نظرا إلى الاعتقاد السائد بين كثير من القادة المسيحيين بأن هذه الموسيقى تزعزع الإيمان، وتبعث الغموض في النص الكلامي، وتولد الاضطراب بدلا من أن تبث في المؤمنين شعورا بالسلام والطمأنينة أثناء أداء الشعائر الدينية. ولسنا نعلم على وجه التحديد متى أدخلت البوليفونية لأول مرة في موسيقى الكنيسة، ولكنا نعلم أن الكنيسة ظلت طوال القرون تعرب عن استيائها من الموسيقى المعقدة التي وجدت طريقها إلى دور العبادة. ولقد كانت الكنيسة تخشى من أن تحل هذه الموسيقى الدنيوية الجديدة محل التراتيل التقليدية البسيطة الجادة التي تبعث بالتداعي حالة من التقوى في نفس المتدين؛ فهذا الأسلوب الجديد من الموسيقى المعقد، الذي لا توجد له ارتباطات دينية في ذهن المسيحي، لا يجلب إلا الاضطراب للمصلين الذي يحاولون أن يتتبعوا البوليفونية المعقدة، وهو فضلا عن ذلك يشوه طابع القداسة الذي تتسم به الصلاة. وقد سبق أن أشار أفلاطون إلى أن ترك حبل التجديد على الغارب في ميدان الموسيقى هو نذير شؤم بقرب حدوث تغير في قوانين الدولة، وبالمثل رأت الكنيسة أن الموسيقى الدنيوية التي لا تتمشى مع التراث إذا سمح لها بأن تعزف في الكنيسة، فقد تشجع على إدخال بدع جديدة تؤدي آخر الأمر لا إلى تعريض الصلاة والتعاليم المقدسة للخطر فحسب، بل إلى تهديد سلطة الكنيسة ذاتها.
ولم يقتصر تطبيق الفلسفة الكاثوليكية في الموسيقى على العدد القليل من المتحمسين في الكنيسة، وإنما كان هناك رأي ذائع بين المؤمنين المخلصين بأن البوليفونية تصرف أذهان المؤمنين عن التقوى بما فيها من غناء موزع الأدوار، ومن خط لحني متقطع بدلا من الخط اللحني المتصل.
وقد احتج الفيلسوف المدرسي وأسقف شارترجون أوف سالسبري
John of Salisbury (حوالي 1115-1180م) قائلا: «إن الموسيقى تسيء إلى الصلاة؛ ذلك لأن صخب الأصوات الفوضوية، وحرصها على استعراض قدراتها، وتصنعها المخنث في تقطيع الأنغام والجمل، لا بد أن يفسد النفوس البسيطة الورعة لجمهور المصلين وهم في حضرة الرب ذاته، وفي نفس الحرمات المقدسة للمعبد»، «ولو قدر لك ذات مرة أن تستمع إلى هذا الأداء المثير للأعصاب الذي تستخدم فيه كل أساليب الفن، لظننته فرقة من عرائس البحر «السرينات» لا من البشر، واندهشت من عدم اكتراث المغني، الذي لا يعادله عدم اكتراث البلبل أو الببغاء، أو أي كائن آخر أوغل في هذا الباب منهما؛ ذلك لأن عدم الاكتراث هذا يتجلى في تطويل الصعود والهبوط، وفي تقسيم الأنغام أو مضاعفتها، وفي تكرار الجمل، وتصادم الأصوات، بينما النغمة العالية في السلم، أو حتى أعلى أنغامه، تختلط خلال هذا كله بالنعمة الأدنى أو بأدنى النغمات، إلى حد تكاد الأذن معه تفقد قدراتها على التمييز.»
6
ولم يكن لاهوتيو القرن الثالث عشر أقل سخطا على البوليفونية من أسلافهم في القرن الثاني عشر، على أن درجة معارضة أقطاب الكنيسة للبوليفونية كانت متفاوتة؛ فكثير منهم لم يعترضوا على استخدام فن التوزيع الغنائي في الصلاة، ولكنهم وافقوا من الوجهة الرسمية على أن من الأفضل تعديل البوليفونية بحيث تلائم المسيحية. وحتى ذوو النزعة الإنسانية من أفراد السلك الكهنوتي كانوا يصرون على ضرورة تقويم مفاسد معينة في البوليفونية، ولدينا على ذلك الدليل في كتابات روجر بيكون (حوالي 1214-1294م) رجل الكنيسة والفيلسوف والعالم؛ فقد كان لديه إدراك واقعي لقيمة الموسيقى في العبادة والتعليم. وقد نصح رجال الكنيسة بأن يحصلوا معرفة بأساسيات الموسيقى؛ حتى لا يجهلوا فائدة الموسيقى الكنسية وقيمتها. كذلك أشار إلى القيمة التربوية للموسيقى في التعليم الدنيوي، وأوضح أن «الأطفال يتعلمون الحقائق الرياضية بطريقة أفضل وأسرع، كما يتضح في الغناء ...»
7
ولقد كان بيكون من أوسع رجال الدين في القرن الثالث عشر ثقافة، ولا بد أن آراءه في القيمة النفسية للموسيقى في العبادة والتعليم كانت في الوقت ذاته آراء من هم أعلى منه مرتبة في الكنيسة. كذلك فإن رأي بيكون القائل إن التراث الجاد للصلوات يتعرض للفساد بفعل التأثير الضار للموسيقى البوليفونية، لا بد أن يكون قد حظي بموافقة أصحاب المراتب العالية في الكنيسة أيضا.
وفي عام 1247م أصدر مجمع ليون عدة مراسيم لتقييد هذه الموسيقى الجديدة التي وصفها «جون أوف سالبري» بكل هذه النعوت السيئة، ثم أصدر البابا يوحنا الثاني والعشرون في عام 1324-1325م، أمرا من مدينة «أفينيون» ندد فيه باستخدام القوالب والأساليب الموسيقية الجديدة التي كانت تحل محل الأنغام والأساليب التقليدية. وقد رددت هذه الوثيقة ذلك القانون الذي لم تتزحزح عنه الكنيسة، والقائل إن الموسيقى التي تستخدم في الشعائر الدينية ينبغي لها أن تحافظ على سلامة النص باستعمال ألحان بسيطة، ثم تقول هذه الوثيقة البابوية عن الموسيقى الدينية: «غير أن بعض أنصار المدرسة الحديثة، ممن لا يفكرون إلا في قوانين الإيقاع المحدد بدقة يؤلفون ألحانا جديدة من ابتكارهم، بنظام جديد من الأنغام، ويفضلونها على الموسيقى التقليدية القديمة، وهكذا يغنون ألحان الكنيسة مستخدمين «الروند» و«البلانش»
8
Page inconnue