بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب يسر بِخَير
أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام الْفَاضِل عُثْمَان بن بلبان المعالمي فِي شهر رَمَضَان سنة عشرَة قَالَ أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة مفتي الْمُسلمين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بهْرَام الشَّافِعِي أثابه الله الْجنَّة بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ يَوْم الْأَحَد السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وَسبع مئة بحلب المحروسة قلت لَهُ أخْبرك الشَّيْخ الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام مفتي الْفرق أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام بن أبي الْقَاسِم الشَّافِعِي بِقِرَاءَتِك عَلَيْهِ قَالَ نعم قلت لَهُ قلت (الْحَمد لله ذِي الْجُود وَالْإِحْسَان وَالْفضل والإمتنان وَصلى الله على نبيه الْمَبْعُوث بِالْأَمر وَالْعدْل وَالْإِحْسَان وبالنهي عَن الْفساد والطغيان فَلم يتْرك ﷺ شَيْئا يقرب من الْجنان وَيبعد من النيرَان إِلَّا أَمر بِهِ وَلم يدع شَيْئا يقرب من النيرَان ويباعد من الْجنان إِلَّا نهى عَنهُ)
1 / 31
فصل فِي بَيَان الْمصَالح والمفاسد
أما بعد فَإِن الله تَعَالَى أرسل الرُّسُل وَأنزل الْكتب لإِقَامَة مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَدفع مفاسدهما
والمصلحة لَذَّة أَو سَببهَا أَو فرحة أَو سَببهَا
والمفسدة ألم أَو سَببه أَو غم أَو سَببه
وَلم يفرق الشَّرْع بَين دقها وجلها وقليلهما وكثيرهما كحبة خَرْدَل وشق تَمْرَة وزنة برة ومثقال ذرة ﴿فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره﴾ الزلزلة ٩٩ / ٨ - ٧
1 / 32
فصل فِي بَيَان الْإِحْسَان الْمَأْمُور بِهِ
كتب الله سُبْحَانَهُ الْإِحْسَان على كل شَيْء وَأخْبر أَنه يَأْمر بِهِ على الدَّوَام والاستمرار بقوله ﴿إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان﴾ النَّحْل ١٦ / ٩٠ وَرغب فِيهِ بقوله ﴿إِن الله يحب الْمُحْسِنِينَ﴾ الْبَقَرَة ٢ / ١٩٥ وَإِن أمرا يكون سَببا لحب الله سُبْحَانَهُ لجدير بِأَن يحرص عَلَيْهِ ويتنافس فِيهِ ويبادر إِلَيْهِ وَلَا يتَقَيَّد ذَلِك الْإِحْسَان بالإنسان بل يجْرِي فِي حق الْمَلَائِكَة ﵈ فَإِنَّهُم يتأذون مِمَّا يتَأَذَّى مِنْهُ النَّاس بل يجْرِي فِي حق الْحَيَوَان الْمُحْتَرَم بل فِي غير الْمُحْتَرَم لقَوْله ﷺ إِن الله كتب الْإِحْسَان على كل شَيْء فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذّبْح وليحد أحدكُم شفرته وليرح ذَبِيحَته وَقد جعل لمن قتل الوزغ فِي الضَّرْبَة الأولي مئة حَسَنَة وَفِي الثَّانِيَة سبعين لِأَن قَتله بضربة وَاحِدَة أَهْون عَلَيْهِ من قَتله بضربتين
1 / 33
وَالْإِحْسَان منحصر فِي جلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد وَهُوَ غَايَة الْوَرع أَعْلَاهَا إِحْسَان الْعِبَادَات وَهُوَ أَن تعبد الله ﷿ كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَقدر أَنه يراك وأفضلهما أَن تعبد الله ﷿ مُقَدرا أَنَّك ترَاهُ فَإنَّك إِذا قدرت فِي عبادتك ترى المعبود فَإنَّك تعظمه غَايَة التَّعْظِيم وتجله أعظم الإجلال وَاعْتبر ذَلِك لَهَا صُورَة الأكابر والملوك فَإِن من نظر إِلَى ملك بِنَظَر إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يعظمه أبلغ التَّعْظِيم ويهابه أتم المهابة ويتقرب إِلَيْهِ بغاية مَا يقدر عَلَيْهِ وَهَذَا مَحْكُوم بالعادات فَإِن عزفت عَن تَقْدِير رؤيتك إِيَّاه فقد ترى أَنه يراك وَينظر إِلَيْك فَإنَّك تَسْتَحي مِنْهُ وَتَأْتِي بِعِبَادَتِهِ على أتم الْوُجُوه
النَّوْع الثَّانِي الْإِحْسَان إِلَى الْخَلَائق وَذَلِكَ إِمَّا بجلب الْمَنَافِع أَو بِدفع المضار أَو بهما وَلَا فرق بَين قَلِيله وَكَثِيره وجليله وحقيره فَإِن ﴿فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره﴾ الزلزلة ٩٩ / ٧ ﴿وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أَتَيْنَا بهَا وَكفى بِنَا حاسبين﴾ الْأَنْبِيَاء ٢١ / ٤٧ وَفِي الحَدِيث كل مَعْرُوف صَدَقَة وَلَو أَن تلقى أَخَاك وَأَنت منبسط إِلَيْهِ وَجهك وَفِي الحَدِيث لَا تحقرن جَارة لجارتها وَلَا فرسن شَاة وَفِي الحَدِيث
1 / 34
تصدقوا وَلَو بشق تَمْرَة فَإِن لم تَجدوا فبكلمة طيبَة وعَلى الْجُمْلَة فالإحسان مَكْتُوب على كل شَيْء وكل مَعْرُوف صَدَقَة كالكلمة الطّيبَة وطلاقة الْوَجْه وتبسمه وانبساطه وهداية الطَّرِيق
1 / 35
النَّوْع الثَّالِث إِحْسَان الْمَرْء إِلَى نَفسه بجلب مَا أَمر الله بجلبه من الْمصَالح الْوَاجِبَة والمندوبة ودرء مَا أَمر الله بدرئه عَنْهَا من الْمَفَاسِد الْمُحرمَة والمكروهة وَلَا فرق بَين قَلِيله وَكَثِيره وجليله وحقيره ﴿فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره﴾ الزلزلة ٩٩ / ٨ - ٧ و﴿من يعْمل سوءا يجز بِهِ﴾ النِّسَاء ٤ / ١٢٣ ﴿وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أَتَيْنَا بهَا﴾ الْأَنْبِيَاء ٢١ / ٤٧
فصل فِي بَيَان الْإِسَاءَة الْمنْهِي عَنْهَا
الْإِسَاءَة منحصرة فِي جلب الْمَفَاسِد ودرء الْمصَالح وَهِي مُتَعَلقَة بالعبادات وبنفس الْمُكَلف وَغَيره من الأناس والحيوانات والمحترمات وعَلى الْجُمْلَة فَلَا يرجع بِشَيْء من جلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد وأسبابهما إِلَى الديَّان لاستغنائه بِهِ عَن الأكوان وَإِنَّمَا يعود نفعهما وضرهما على الانسان وَمن أحسن فلنفسه سعى وَمن أَسَاءَ فعلى نَفسه جنى
1 / 36
وإحسان الْمَرْء إِلَى نَفسه أَو إِلَى غَيره إِمَّا بجلب مصلحَة دنيوية أَو أخروية أَو بهما وَإِمَّا بدرء مفْسدَة دنيوية أَو أخروية أَو بهما
وإساءته إِلَى نَفسه وَإِلَى غَيره إِمَّا بجلب مفْسدَة دنيوية أَو أخروية أَو بهما أَو بدرء مصلحَة دنيوية أَو أخروية أَو بهما وَلكُل من أحسن إِلَى نَفسه كَانَ أجره مَقْصُورا عَلَيْهِ وكل من أحسن إِلَى غَيره كَانَ محسنا إِلَى نَفسه وَإِلَى غَيره وكل من أَسَاءَ إِلَى نَفسه كَانَ وزره مَقْصُورا عَلَيْهِ وكل من أَسَاءَ إِلَى غَيره فقد بَدَأَ بالإساءة إِلَى نَفسه وَإِذا اتَّحد نوع الْإِسَاءَة وَالْإِحْسَان كَانَ عامهما أفضل من خاصهما وَلَيْسَ من يصلح بَين جمَاعَة كمن أصلح بَين اثْنَيْنِ وَلَيْسَ من أفسد بَين جمَاعَة كمن أفسد بَين اثْنَيْنِ وليسن من تصدق على جمَاعَة أَو علم جمَاعَة أَو ستر جمَاعَة أَو أنقذ جمَاعَة من الْهَلَاك كمن اقْتصر على وَاحِد أَو اثْنَيْنِ
فَائِدَة فِي الْحَث على تَحْصِيل الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد
وَقد حث الرب سُبْحَانَهُ على تَحْصِيل مصَالح الْآخِرَة بمدحها ومدح فاعليها وَبِمَا رتب عَلَيْهَا من ثَوَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وكرامتهما وزجر سُبْحَانَهُ عَن ارْتِكَاب الْمَفَاسِد بذمها وذم فاعليها وَبِمَا رتبه عَلَيْهَا من عِقَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وإهانتهما
1 / 37
ويعبر عَن الْمصَالح والمفاسد بالمحبوب وَالْمَكْرُوه والحسنات والسيئات وَالْعرْف والنكر وَالْخَيْر وَالشَّر والنفع والضر وَالْحسن والقبح
وَالْأَدب أَن لَا يعبر عَن مشاق الْعِبَادَات ومكارهها بِشَيْء من أَلْفَاظ الْمَفَاسِد وَأَن لَا يعبر عَن لذات الْمعاصِي وأفراحها بِشَيْء من أَلْفَاظ الْمصَالح وَإِن كَانَت الْجنَّة قد حفت بالمكاره وحفت النَّار بالشهوات
وجلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد أَقسَام
أَحدهَا ضَرُورِيّ
وَالثَّانِي حاجي
وَالثَّالِث تكميلي
فالضروري الأخروي فِي الطَّاعَات هُوَ فعل الْوَاجِبَات وَترك الْمُحرمَات والحاجي هُوَ السّنَن المؤكدات والشعائر الظاهرات والتكميلي مَا عدا الشعائر من المندوبات والضروريات الدُّنْيَوِيَّة كالمآكل والمشارب والملابس والمناكح
1 / 38
والتكميلي مِنْهَا كَأَكْل الطَّيِّبَات وَشرب اللذيذات وسكنى المساكن العاليات والغرف الرفيعات والقاعات الواسعات
والحاجي مِنْهَا مَا توَسط بَين الضرورات والتكميلات
فصل فِي تفَاوت رتب الْمصَالح والمفاسد
ثمَّ تَنْقَسِم الْمصَالح إِلَى الْحسن وَالْأَحْسَن والفاضل وَالْأَفْضَل كَمَا تَنْقَسِم الْمَفَاسِد إِلَى الْقَبِيح والأقبح والرذيل والأرذل وَلكُل وَاحِد مِنْهَا رتب عاليات ودانيات ومتوسطات متساويات وَغير متساويات
وَلَا نِسْبَة لمصَالح الدُّنْيَا إِلَى مصَالح الْآخِرَة لِأَنَّهَا خير مِنْهَا وَأبقى وَلَا نِسْبَة لمفاسد الدُّنْيَا إِلَى مفاسد الْآخِرَة لِأَنَّهَا شَرّ مِنْهَا وَأبقى
ومصالح الْإِيجَاب أفضل من مصَالح النّدب ومصالح النّدب أفضل من مصَالح الْإِبَاحَة كَمَا أَن مفاسد التَّحْرِيم أرذل من مفاسد الْكَرَاهَة
1 / 39
فصل فِي بَيَان مصَالح الدَّاريْنِ ومفاسدهما
مصَالح الْآخِرَة ثَوَاب الْجنان ورضا الديَّان وَالنَّظَر إِلَيْهِ والأنس بجواره والتلذذ بِقُرْبِهِ وخطابه وتسليمه وتكليمه
ومفاسدها عَذَاب النيرَان وَسخط الديَّان والحجب عَن الرَّحْمَن وتوبيخه ولعنه وطرده وإبعاده وخسؤه وإهانته
وَلَا تقع أَسبَاب مصَالح الْآخِرَة ومفاسدها إِلَّا فِي الدُّنْيَا إِلَّا الشَّفَاعَة
وَلَا قطع بِحُصُول مصَالح الْآخِرَة ومفاسدهما إِلَّا عِنْد الْمَوْت فَإِن الرجل يعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى لَا يبْقى بَينه وَبَينهَا إِلَّا بَاعَ أَو ذِرَاع فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فَيدْخل النَّار وَإِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى لَا يبقي بَينه وَبَينهَا إِلَّا بَاعَ أَو ذِرَاع فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فَيدْخل الْجنَّة
1 / 40
وَأما مصَالح الدُّنْيَا ومفاسدها فتنقسم إِلَى مَقْطُوع ومظنون وموهوم أَمْثِلَة ذَلِك الْجُوع والشبع والري والعطش والعري والاكتساء والسلامة والعطب والعافية والأسقام والأوجاع والعز والذل والأفراح وَالْأَحْزَان وَالْخَوْف والأمن والفقر والغنى ولذات المآكل والمشارب والمناكح والملابس والمساكن والمراكب وَالرِّبْح والخسران وَسَائِر المصائب والنوائب
وَلَا يعرف مصَالح الْآخِرَة ومفاسدها إِلَّا بِالشَّرْعِ وَيعرف مصَالح الدُّنْيَا ومفاسدها بالتجارب والعادات
فصل فِيمَا يبْنى عَلَيْهِ الْمصَالح والمفاسد
من الْمصَالح والمفاسد مَا يبْنى على الْعرْفَان
وَمِنْهَا مَا يبْنى على الِاعْتِقَاد فِي حق الْعَوام
1 / 41
وأكثرها يبْنى على الظَّن والحسبان لإعواز الْيَقِين والعرفان
وأقلها مَبْنِيّ على الشكوك والأوهاوم كَمَا فِي إِلْحَاق النّسَب فِي بعض الأحيان
ومعظم الْوَرع مَبْنِيّ على الأوهام
فَمن الْمصَالح مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ مفْسدَة وَلَا يجده إِلَّا وَاجِبا أَو مَنْدُوبًا أَو مُبَاحا
وَمن الْمَفَاسِد مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ مصلحَة وَلَا يجده إِلَّا مَكْرُوها أَو حَرَامًا
1 / 42
وكل كسب خلا عَن الْمصلحَة والمفسدة وَلم يكن فِي نَفسه مصلحَة وَلَا مفْسدَة فَحكمه حكم الْأَفْعَال قبل وُرُود الشَّرْع
وللمصالح تعلق بالقلوب والحواس والأعضاء والأبدان وَالْأَمْوَال والأماكن والأزمان والذمم والأعيان أَو بالذمم والأعيان
فصل فِي الْوَسَائِل
للْمصَالح والمفاسد أَسبَاب ووسائل وللوسائل أَحْكَام الْمَقَاصِد من النّدب والإيجاب وَالتَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة وَالْإِبَاحَة
وَرب وَسِيلَة أفضل من مقصودها كالمعارف وَالْأَحْوَال وَبَعض الطَّاعَات فَإِنَّهَا أفضل من ثَوَابهَا
والإعانة على الْمُبَاح أفضل من الْمُبَاح لِأَن الْإِعَانَة عَلَيْهِ مُوجبَة لثواب الْآخِرَة وَهُوَ خير وَأبقى من مَنَافِع الْمُبَاح
1 / 43
ويتفاوت الثَّوَاب وَالْعِقَاب والزواجر العاجلة والآجلة بتفاوت الْمصَالح والمفاسد فِي الْغَالِب
وَاعْلَم أَن فضل الْوَسَائِل مترتب على فضل الْمَقَاصِد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَسِيلَة إِلَى تَحْصِيل ذَلِك الْمَعْرُوف وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَسِيلَة إِلَى دفع مفْسدَة ذَلِك الْمُنكر فَالْأَمْر بِالْإِيمَان أفضل من كل أَمر وَالنَّهْي عَن الْكفْر أفضل من كل نهي وَالنَّهْي عَن الْكَبَائِر أفضل من النَّهْي عَن الصَّغَائِر وَالنَّهْي عَن كل كَبِيرَة أفضل من النَّهْي عَمَّا دونهَا وَكَذَلِكَ الْأَمر بِمَا تَركه كَبِيرَة أفضل من الْأَمر بِمَا تَركه صَغِيرَة ثمَّ تترتب فَضَائِل الْأَمر وَالنَّهْي على رتب الْمصَالح والمفاسد وتترتب رتب الشَّهَادَات على رتب الْمَشْهُود بِهِ من جلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد وَكَذَلِكَ الْفَتَاوَى وَكَذَلِكَ يَتَرَتَّب رتب المعونات والمساعدات على الْبر وَالتَّقوى على رتب مصالحهما كَمَا يَتَرَتَّب المعاونة على الْإِثْم والعدوان على ترتيبهما فِي الْمَفَاسِد
وَبِالْجُمْلَةِ فالولايات كلهَا وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَتحمل الشَّهَادَات وأداؤها وسماعها وَالْحكم بهَا كل ذَلِك وَسِيلَة إِلَى جلب مصْلحَته المبنية عَلَيْهِ أَو دَرْء الْمفْسدَة الناشئة عَنهُ وَكَذَلِكَ التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة وَسَائِل إِلَى تَحْصِيل مفاسدهما سَوَاء كَانَت مُعَاوضَة أَو غير مُعَاوضَة وَكَذَلِكَ إِلَى جَمِيع الطَّاعَات والعبادات وَإِلَى الْمعاصِي والمخالفات وإثم وَسَائِل الْمَفَاسِد دون إِثْم
1 / 44
الْمَفَاسِد كَمَا أَن أجر وَسَائِل الْمصَالح دون أجر الْمصَالح وَقد يتَوَصَّل بالْقَوْل الْوَاحِد وَالْعَمَل الْوَاحِد إِلَى ألف مصلحَة وَألف مفْسدَة
فصل فِي اجْتِمَاع الْمصَالح
إِذا اجْتمعت مصَالح أخروية فَإِن أمكن تَحْصِيلهَا حصلناها وَإِن تعذر تَحْصِيلهَا قإن تَسَاوَت تخيرنا بَينهَا وَقد يقرع فِيمَا نقدم مِنْهَا وَإِن تفاوتت قدمنَا الْأَصْلَح فالأصلح وَلَا نبالي بِفَوَات الصَّالح وَلَا يخرج بتقويته عَن كَونه صَالحا
وَإِن اجْتمعت مصَالح الْمُبَاح اقتصرنا فِي حق أَنْفُسنَا على الكفاف وَلَا ننافس فِي تَحْصِيل الْأَصْلَح
وَتقدم الْأَصْلَح فالأصلح فِي حق كل من لنا عَلَيْهِ ولَايَة عَامَّة أَو خَاصَّة
1 / 45
إِن أمكن فَلَا نفرط فِي حق الْمولى عَلَيْهِ فِي شقّ تَمْرَة وَلَا فِي زنة برة وَلَا مِثْقَال ذرة وَيكون أجر السَّعْي فِي ذَلِك
فصل فِي اجْتِمَاع الْمَفَاسِد
إِذا اجْتمعت الْمَفَاسِد فَإِن أمكن درؤها درأناها وَإِن تعذر درؤها فَإِن تَسَاوَت رتبها تخيرنا وَقد يقرع وَإِن تفاوتت درأنا الأفسد فالأفسد وَلَا يخرج الْفَاسِد بارتكابه عَن كَونه مفْسدَة كَمَا فِي قطع الْيَد المتآكلة وَقلع السن الوجعة وَقتل الصَّائِل على دِرْهَم وَقطع السَّارِق فِي ربع دِينَار
1 / 46
فصل فِي اجْتِمَاع الْمصَالح والمفاسد
إِذا اجْتمعت مصَالح ومفاسد فَإِن أمكن دفع الْمَفَاسِد وَتَحْصِيل الْمصَالح فعلنَا ذَلِك وَإِن تعذر الْجمع فَإِن رجحت الْمصَالح حصلناها وَلَا نبالي بارتكاب الْمَفَاسِد وَإِن رجحت الْمَفَاسِد دفعناها وَلَا نبالي بقوات الْمصَالح
وَقد تنشأ الْمصلحَة عَن الْمفْسدَة والمفسدة عَن الْمصلحَة
وَقد تنشأ الْمفْسدَة عَن الْمفْسدَة والمصلحة عَن الْمصلحَة
وَقد تقترن الْمصلحَة بالمفسدة وَلَا تنشأ إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى
وَإِذا ظَهرت الْمصلحَة أَو الْمفْسدَة بني على كل وَاحِدَة مِنْهُمَا حكمهَا وَإِن جهلنا اسْتدلَّ عَلَيْهِمَا بِمَا يرشد إِلَيْهِمَا
وَإِذا توهمنا الْمصلحَة الْمُجَرَّدَة عَن الْمفْسدَة الْخَالِصَة أَو الراجحة احتطنا لتحصيلها
1 / 47
وَإِن توهمنا الْمفْسدَة الْمُجَرَّدَة عَن الْمصلحَة الْخَالِصَة أَو الراجحة احتطنا لدفعها
وَلَا فرق بَين مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي ذَاك
وَأَسْبَاب مصَالح الْآخِرَة الْعرْفَان وَالطَّاعَة وَالْإِيمَان
وَأَسْبَاب مفاسدها الْكفْر والفسوق والعصيان
1 / 48
وَالِاحْتِيَاط للأسباب والوسائل كالاحتياط للمسببات والمقاصد
ومصالح الدُّنْيَا لذات الْمُبَاحَات ونفعها
وَلَا ننافس لأنفسنا إِلَّا فِي مصَالح الْآخِرَة
وننافس فِي مصَالح الدَّاريْنِ لكل من لنا عَلَيْهِ ولَايَة
فصل فِي انقسام الْمصَالح إِلَى دُنْيَوِيّ وأخروي ومركب مِنْهُمَا
الْإِحْسَان إِلَى النَّاس إِمَّا بجلب مصلحَة أَو دَرْء مفْسدَة أَو بهما وَكَذَلِكَ إحسانك إِلَى نَفسك
والإساءة إِلَى النَّاس إِمَّا بجلب مفْسدَة أَو دفع مصلحَة
1 / 49
أَبُو بهما وَكَذَلِكَ إساءتك إِلَى نَفسك
وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الرُّعَاة والرعايا
وَكَذَلِكَ نهى عَن الولايات من لَا يقوم بإتمامها من جلب الْمصَالح وَدفع الْمَفَاسِد وَإِنَّمَا نهي عَن الولايات فِي حق الضعفة مَعَ مَا فِيهَا من الْإِحْسَان بجلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد لما تشْتَمل عَلَيْهِ من مفاسد الْإِعْجَاب وَالْكبر والتحامل على الْأَعْدَاء والبغضاء وَالنَّظَر للأولياء والأصدقاء والأقرباء
فصل فِي تبيان حَقِيقَة الْمصَالح والمفاسد
كل مصلحَة أوجبهَا الله ﷿ فَتَركهَا مفْسدَة مُحرمَة
وكل مفْسدَة حرمهَا الله تَعَالَى فَتَركهَا مصلحَة وَاجِبَة
وَفِي كل مفْسدَة كرهها الله فَتَركهَا مفْسدَة غير مُحرمَة
وكل مصلحَة ندب الله سُبْحَانَهُ إِلَيْهَا فَتَركهَا قد يكون مفْسدَة مَكْرُوهَة وَقد لَا يكون مَكْرُوهَة
1 / 50