Les bénéfices dorés des biographies des nobles, vol. 2
الفوائد الذهبية من سير أعلام النبلاء جـ 2
Genres
قلت: هذا عين الزندقة، فإنه تبرأ مما وحد الله به الموحدون الذين هم الصحابة والتابعون وسائر الأمة، فهل وحدوه تعالى إلا بكلمة الإخلاص التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قالها من قلبه، فقد حرم ماله ودمه» (¬1) وهي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فإذا برئ الصوفي منها، فهو ملعون زنديق، وهو صوفي الزي، والظاهر متستر بالنسب إلى العارفين وفي الباطن فهو من صوفية الفلاسفة أعداء الرسل، كما كان جماعة في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - منتسبون إلى صحبته وإلى ملته، وهم في الباطن من مردة المنافقين، قد لا يعرفهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يعلم بهم، قال الله تعالى {ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين} [التوبة: 101] فإذا جاز على سيد البشر أن لا يعلم ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات فبالأولى أن يخفى حال جماعة من المنافقين الفارغين عن دين الإسلام بعده عليه السلام على العلماء من أمته، فما ينبغي لك يا فقيه أن تبادر إلى تكفير المسلم إلا ببرهان قطعي، كما لا يسوغ لك أن تعتقد العرفان والولاية فيمن قد تبرهن زغله وانهتك باطنه وزندقته، فلا هذا ولا هذا، بل العدل أن من رآه المسلمون صالحا محسنا فهو كذلك لأنهم شهداء الله في أرضه، إذ الأمة لا تجتمع على ضلالة وأن من رآه المسلمون فاجرا أو منافقا أو مبطلا فهو كذلك، وأن من كان طائفة من الأمة تضلله، وطائفة من الأمة تثني عليه وتبجله، وطائفة ثالثة تقف فيه وتتورع من الحط عليه، فهو ينبغي أن يعرض عنه، وإن يفوض أمره إلى الله وأن يستغفر له في الجملة، لأن إسلامه أصلي بيقين، وضلاله مشكوك فيه، فبهذا تستريح ويصفو قلبك من الغل للمؤمنين.
ثم اعلم أن أهل القبلة كلهم، مؤمنهم، وفاسقهم، وسنيهم ومبتدعهم سوى الصحابة لم يجمعوا على مسلم بأنه سعيد ناج، ولم يجمعوا على مسلم بأنه شقي هالك، فهذا الصديق فرد الأمة، قد علمت تفرقهم فيه، كذلك عمر، وكذلك عثمان، وكذلك علي، وكذلك ابن الزبير، وكذلك الحجاج، وكذلك المأمون وكذلك بشر المريسي، وكذلك أحمد بن حنبل، والشافعي والبخاري، والنسائي وهلم جرا من الأعيان في الخير والشر إلى يومك هذا، فما من إمام كامل في الخير إلا وثم أناس من جهلة المسلمين ومبتدعيهم يذمونه ويحطون عليه، وما من رأس في البدعة والتجهم والرفض إلا وله أناس ينتصرون له، ويذبون عنه، ويدينون بقوله بهوى وجهل، وإنما العبرة بقول جمهور الأمة الخالين من الهوى والجهل، المتصفين بالورع والعلم، فتدبر يا عبد الله نحلة الحلاج الذي هو من رؤوس القرامطة، ودعاة الزندقة وأنصف وتورع واتق ذلك وحاسب نفسك فإن تبرهن لك أن شمائل هذا المرء شمائل عدو للإسلام، محب للرئاسة، حريص على الظهور بباطل وبحق، فتبرأ من نحلته، وإن تبرهن لك والعياذ بالله أنه كان والحالة هذه محقا هاديا مهديا فجدد إسلامك، واستغث بربك أن يوفقك للحق وأن يثبت قلبك على دينه، فإنما الهدى نور يقذفه الله في قلب عبده المسلم، ولا قوة إلا بالله، وإن شككت ولم تعرف حقيقته، وتبرأت مما رمي به، أرحت نفسك ولم يسألك الله عنه أصلا.
Page 110