Les bénéfices
الفوائد
Maison d'édition
دار الكتب العلمية
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
1393 AH
Lieu d'édition
بيروت
Genres
Soufisme
فصل لَذَّة كل أحد على حسب قدره وهمّته وَشرف نَفسه فَأَشْرَف النَّاس نفسا
وَأَعْلَاهُمْ همّة وأرفعهم قدرا من لذّته فِي معرفَة الله ومحبته والشوق إِلَى لِقَائِه والتودد إِلَيْهِ بِمَا يُحِبهُ ويرضاه فلذته فِي إقباله عَلَيْهِ وعكوف همته عَلَيْهِ وَدون ذَلِك مَرَاتِب لَا يحصيها إِلَّا الله حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى من لذته فِي أخس الْأَشْيَاء من القاذورات وَالْفَوَاحِش فِي كل شَيْء من الْكَلَام والفعال والأشغال فَلَو عرضت عَلَيْهِ مَا يلتذ بِهِ الأول لم تسمح نَفسه بقبوله وَلَا الِالْتِفَات إِلَيْهِ وَرُبمَا تألمت من ذَلِك كَمَا أَن الأول إِذا عرض عَلَيْهِ مَا يلتذ بِهِ هَذَا لم تسمح نَفسه بِهِ وَلم تلْتَفت إِلَيْهِ ونفرت نَفسه مِنْهُ وأكمل النَّاس لَذَّة من جمع لَهُ بَين لَذَّة الْقلب وَالروح وَلَذَّة الْبدن فَهُوَ يتَنَاوَل لذاته الْمُبَاحَة على وَجه لَا ينقص حَظه من الدَّار وَالْآخِرَة وَلَا يقطع عَلَيْهِ لَذَّة الْمعرفَة والمحبة والأنس بربه فَهَذَا مِمَّن قَالَ تَعَالَى فِيهِ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قل هَل هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وأبخسهم حظا من اللَّذَّة من تنَاولهَا على وَجه يحول بَينه وَبَين لذات الْآخِرَة فَيكون مِمَّن يُقَال لَهُم يَوْم اسْتِيفَاء اللَّذَّات أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَهَؤُلَاءِ تمَتَّعُوا بالطيبات وَأُولَئِكَ تمَتَّعُوا بالطيبات وافترقوا فِي وَجه التَّمَتُّع فَأُولَئِك تمَتَّعُوا بهَا على الْوَجْه الَّذِي أذن لَهُم فِيهِ فَجمع لَهُم بَين لَذَّة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهَؤُلَاء تمَتَّعُوا بهَا على الْوَجْه الَّذِي دعاهم إِلَيْهِ الْهوى والشهوة وَسَوَاء أذن لَهُم فِيهِ أم لَا فَانْقَطَعت عَنْهُم لَذَّة الدُّنْيَا وفاتتهم لَذَّة الْآخِرَة فَلَا لَذَّة الدُّنْيَا دَامَت لَهُم وَلَا لَذَّة الْآخِرَة حصلت لَهُم فَمن أحب اللَّذَّة ودوامها والعيش الطيّب فليجعل لَذَّة الدُّنْيَا موصلا لَهُ إِلَى لَذَّة الآخر بِأَن يَسْتَعِين بهَا على فرَاغ قلبه لله وإرادته وعبادته فيتناولها بِحكم الِاسْتِعَانَة وَالْقُوَّة على طلبه لَا بِحكم مُجَرّد الشَّهْوَة والهوى وَإِن كَانَ مِمَّن زويت عَنهُ لذات الدُّنْيَا وطيباتها فليجعل مَا نقص مِنْهَا زِيَادَة فِي
1 / 150