Faust
فاوست: صورة مسرحية شعرية للشاعر جوته وقصائد متفرقة للمترجم
Genres
قد عدت إلي الآن فهيا احتضنيني
وإلى صدرك ضميني!
من بين ضباب ونثار الأكدار
أطللت علي فأحكمت حصاري
وبأنفاس السحر أعيدي لي عهد يفوعي
وأثيري القلب هنا بين ضلوعي
واقتطافي هذه الفقرة لا يقصد به عقد مقارنة أو تفضيل نص على نص؛ فنحن لا نعرف ما قاله الشاعر حقا بالألمانية، وطرائق تفسيره المتعددة، وإنما قصدت به أن ترجمة الشعر تسمح بإخراج الصياغة التي تقوم على التفسير الخاص الذي يراه المترجم، وما يتسلح به من خبرة لغوية خاصة (أي بلغته الأم)؛ فالمتأمل لكل نص من هذه النصوص الأربعة سوف يجد آثارا لنصوص أجنبية وعربية وراءها، كما علمنا فوكوه، (وكما أثبتت كريستيفا في شرحها للتناص) وهذا محتوم ولا مندوحة عنه؛ ومن ثم فإن «تطويع» النص عند نقله من لغة إلى لغة يتجاوز كثيرا مقابلة اللفظ باللفظ؛ فلكل مترجم أدبي معجمه المستند إلى طاقاته وخبراته اللغوية، تماما مثل الشاعر الذي يتميز بمعجم شعري يصبح علما عليه.
وركزت جهودي في وضع هيكل للجزء الأول من فاوست الذي نعتبره صلب المسرحية، ولم أجد في الجزء الثاني الذي نشره الشاعر بعد سنوات كثيرة ما يضيف كثيرا من المادة الدرامية، واخترت فقرات معينة لترجمتها، مراعيا أن تمثل حلقات متصلة من نص مترابط، وأن يمثل العمل الموجز الجزء الأول كله من المسرحية، وقرأته على المخرج وصاحبه، فقالا إن هذه مسرحية شعرية، لكننا نريد مسرحية موسيقية، واشترطا أن أحذف الحوار مكتفيا بالقطع الشعرية الغنائية، فرفضت وافترقنا.
ونشرت هذا الإعداد الموجز في مجلة المسرح، وكنت أعمل رئيسا لتحريرها، ونسيت المسرحية وما أحاط بإعدادها سنوات طويلة، حتى ذكرني بها شاعر من قنا كان عميدا لكلية الآداب فيها، وهو الدكتور أبو الفضل بدران، وجعل يناقشني فيما غاب عن ذاكرتي، لكنني كنت قررت أن أتجاهل هذا النص، حتى فرض علي الاهتمام به فرضا حين تلقيت مكالمة تليفونية من الدكتور محمد مهدي، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة بنها، منذ سنوات، وامتدت المكالمة بيننا نحو ساعة ناقشنا فيها هذا المفهوم الجديد للترجمة، أي «التطويع»، الذي يشبه من بعض الوجوه مفهوم جون درايدن، الشاعر والناقد الإنجليزي الكلاسيكي، عن الترجمة الإبداعية، وهي النوع الثالث «الراقي» في نظره، وإن كان يسميه «المحاكاة»، ودارت الأيام وجاء العقد الأخير من القرن العشرين بنظرية الترجمة الثقافية، وما أتاحته من حرية للمترجم، وذكرت ما فعلته بنص فاوست، ولكن حركة الترجمة المزدهرة في مصر كانت تشترط محقة الترجمة عن اللغة الأصلية، فأحجمت مرة أخرى عن النشر.
ولكن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أحيا القضية من جديد. إذ اهتم بعض فلاسفة النظرية الأدبية الحديثة بالترجمة الأدبية، بغض النظر عن صورتها التي تشغل في الآداب القومية موقعا معترفا به بينها، بحيث يقرؤها الناس ناسين أنها ترجمة، مثلما يقرءون الآداب الكلاسيكية من دون الوعي بلغاتها (ناهيك عن معرفة هذه اللغات) مثل ترجمة الإلياذة لهوميروس أو أعمال فيرجيل وأوفيد وغيرهم، أو مثل الأعمال المترجمة عن لغات أوروبية أخرى وقد أصبحت من تراث الأدب الإنجليزي، مثل أعمال إبسن النرويجي وسترندبرج السويدي وهانز كريستيان أندرسون الدانمركي وهيرمان هسه الألماني ودانتي الإيطالي، والقائمة طويلة. لقد أصبحت هذه الأعمال آدابا لا ينظر إلى أصولها قط، مثلما لا ينظر أحد إلى النص العبري أو اليوناني (أو الآرامي) لأسفار الكتاب المقدس، بل إن لغة ترجمة الكتاب المقدس أصبح يحتج بها مثل لغة كبار أدباء الإنجليزية. وكان من حسن حظي أن انهمكت في دراسة مذاهب الترجمة الحديثة التي تجاوزت قضايا «التعادل» اللغوي القديمة، فوجدت أن تقديمي لهذا التطويع الموجز لرائعة جوته مشروع، خصوصا لأن الترجمة الكاملة التي قدمها العلامة والمحقق عبد الرحمن بدوي عسيرة الفهم، على الرغم من أنها منثورة ورغم أنها ترجمت، حسبما يقول المترجم، عن الألمانية. وقد استعرتها من صديقي العلامة والأديب المرهف الحس ماهر شفيق فريد وحاولت أن أقرأها فلم أستطع، ولم أجد فيها شعرا ولا مسرحا، ولا أظن إلا أنه ترجمها بأسلوب تحقيقه لكتب التراث؛ إذ اكتفى بصحة معاني الكلمات (ولا أستطيع التحقق من هذا لجهلي بالألمانية) ورص الألفاظ رصا.
Page inconnue