La Favorite de l'Empereur
فاتنة الإمبراطور: فرانسوا جوزيف إمبراطور النمسا السابق وعشيقته كاترين شراط
Genres
مقدمة
القسم الأول: أزمة الإمبراطور
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
Page inconnue
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
القسم الثاني: أزمات البلاط
Page inconnue
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
Page inconnue
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
Page inconnue
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الحادي والأربعون
الفصل الثاني والأربعون
الخاتمة
مقدمة
القسم الأول: أزمة الإمبراطور
الفصل الأول
الفصل الثاني
Page inconnue
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
Page inconnue
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
القسم الثاني: أزمات البلاط
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
Page inconnue
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
Page inconnue
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الحادي والأربعون
Page inconnue
الفصل الثاني والأربعون
الخاتمة
فاتنة الإمبراطور
فاتنة الإمبراطور
فرانسوا جوزيف إمبراطور النمسا السابق وعشيقته كاترين شراط
تأليف
نقولا الحداد
مقدمة
الملوك يعشقون والرعايا يشاغبون
الإفراط كالتفريط كلاهما هادم، إذا لها الحكام بشهواتهم وتمادوا في بذخهم وترفهم، شقي الرعايا وتعسوا تحت نير أولئك الحكام. فلا تلم الجمهور إذن حين يغضب غضبة الحنق والحقد.
Page inconnue
الإمبراطوار «فرنسوا جوزف» الذي كان يحسبه الناس ملكا مسالما طيبا، قضى حياته الطويلة عاشقا لممثلة حسناء تدعى «ماري شراط»، خسر بسببها زوجته وابنه. في هذه الرواية تقرأ العجب العجاب من دسائس البلاط النمساوي بين الممثلة الحسناء ووصيفة الإمبراطورة، وفي الوقت نفسه ترى مرسحا من السياسة النمساوية الداخلية ونشاط الحزب الاشتراكي.
نقولا الحداد
مصر في أول مارس سنة 1922م
القسم الأول
أزمة الإمبراطور
الفصل الأول
عريضة استرحام وعريضة غرام
في ربيع سنة 1890 كان الإمبراطور فرنسوا جوزف ملك النمسا والمجر مستلقيا في مقصورته الخاصة على مقعد من الدمقس، وكاتب سره فون شلر ينتظر في غرفته الخارجية طنين الجرس الكهربائي لكي يلبي أمر سيده في الحال، فيدخل ويدفع إليه أوراقا ويتناول منه أوراقا. ففي إحدى الدفعات أمره الإمبراطور أن يستدعي وزير الحقانية في الحال.
وما هي إلا دقائق معدودة حتى وافى الوزير والتمس أمر ملكه، وكان الإمبراطور لا يزال يقرأ ورقا بين يديه، فاستمر يقرأ إلى أن انتهى، ثم رفع نظره إلى الوزير وهو يضرب بقفا كفه على الورق الذي في يده، وقال: ماذا فعلتم بقضية شاب شراط هذا؟ - أظن الجلسة غدا يا مولاي؟ - تظن؟ والقضية ضد متطاول على التاج! - مولاي إن جهلي ميعاد القضية لا يدل على قلة اهتمامي بها، وإنما لا يخفى على جلالتكم أن تعيين مواعيد القضايا مختص بالمحكمة، والذي أعلمه أن ميعادها غدا، ومخافة أن أكون مخطئا أقول أظن. - وما ظنك في الحكم على الجاني؟ - وماذا يكون الحكم بغير العقوبة القصوى على من تبلغ به القحة أن يتطاول على مقام جلالة الإمبراطور السامي بقول هراء؟ - وما هي العقوبة القصوى؟ - العقوبة على من يقذف باسم جلالة الإمبراطور الأعظم الأشغال الشاقة من 3 سنين إلى خمس، وسيكون الحكم بالسنين الخمس على شاب شراط. - وهل البينات موفورة؟ - عندنا عدد ممن سمعوا خطاب ذلك الوقح. - إذن فليكن الحكم عشر سنين بالأشغال الشاقة.
فازدرد الوزير لعابه وقال: مولاي، إن ذلك الوقح الخسيس يستحق الموت، ولكن القانون ...
Page inconnue
فعبس فيه الإمبراطور قائلا: أنا القانون. - ونحن نخضع لهذا القانون، فهل يأمر جلالة الإمبراطور بإصدار أمر عال بتعديل المادة؟ - عجبا عجبا، تناقشني في مسألة خاصة بي، الحكم سيصدر باسمي في قضية ضد متواقح على تاج النمسا، فيجب أن يكون شاب شراط عبرة لمن يعتبر.
فانحنى الوزير لدى الإمبراطور بكل إجلال، وخرج مكفهرا، وبقي الإمبراطور وحده يفكر ويقلب بعض الأوراق، وبعد بضع دقائق ضغط على الزر الكهربائي فدخل كاتب السر ودفع إلى الإمبراطور بعض الأوراق وتناول منه بعضا آخر. وأول ما وقع عليه نظر الإمبراطور بطاقة مذهبة الحواشي باسم مدام آلدار فون كيس، فسأل كاتب السر: ما شأن هذه المرأة؟ - ترجو يا مولاي أن ترفع بنفسها إلى مقامكم السامي عريضة استرحام، وهي تنتظر صدور أمركم الكريم بقبول امتثالها.
ففكر الإمبراطور هنيهة ثم قال: دع السيدة تنتظر في البهو. - سمعا وطاعة.
وخرج الكاتب وبقي الإمبراطور يقلب الأوراق، ثم جعل يقلب البطاقة الذهبية والرائحة العطرية تنبعث منها، وبعد دقائق نهض وتمشى في غرفته إلى أن بلغ مدخل البهو، وأزاح الستار قليلا؛ فلمح امرأة كأنها البدر على غصن يرتجف تحت خطرات النسيم، فأشفق على اضطراب المرأة ووجلها قبيل مقابلة الملك الذي تخفق لهيبته القلوب، ولما رآها قد لمحته تقدم، فتقدمت المرأة خطوتين وهي تتداعى تحت ثقل الرهبة، حتى لم تعد تحملها ساقاها، فارتمت جاثية ورفعت يديها بورقة ملفوفة كالدرج ولم تنبس ببنت شفة. فألقى الإمبراطور يده على كرسي وقال: إنك يا امرأة في حضرة ملك عادل، فما هي ظلامتك؟
فأجابت بصوت خافت متهدج: مولاي إني أخاف من العدل، وأرجو الرحمة وجلالتك رحوم وعادل معا. - ماذا تريدين؟ - أتوسل إلى رحمتك أن تعفو عن أخي، فما هو مذنب وإنما طيشه ونزقه مذنبان. فارحمه لكي يتعلم من رحمتك أن يكون حكيما وعاقلا. - من هو أخوك؟ - هو شاب شراط النادم المستغفر، وجلالتك أولى بالمغفرة والصفح.
فتقدم الإمبراطور خطوة واحدة وهو يبتسم، وأمسك تلك اليد العاجية التي ترفع العريضة ورفعها، فارتفعت المرأة معها وهي لا تزال ترتجف، وقال لها: لقد أجبت التماسك يا سيدة، وأنتظر أن تقدمي لي شكرك في حين آخر.
فانحنت المرأة لديه حتى كادت تبلغ الأرض، وتراجعت إلى الوراء، والإمبراطور عاد من حيث أتى وهو يفكر باسما متهللا.
بعد يومين جاء وزير الحقانية والتمس الامتثال لدى الإمبراطور، ولما وقف بين يديه دفع إليه صحيفة وقال: هذا نص الحكم على شاب شراط بالأشغال الشاقة عشر سنين يا مولاي.
فتناول الإمبراطور الحكم وتلاه، ثم تناول قلما وكتب تحته: «لقد عفونا عن شراط.» ووقعه بإمضائه ودفعه إلى الوزير، فلما اطلع الوزير على الكتابة بهت ونظر إلى الإمبراطور مستغربا، فابتسم الإمبراطور قائلا: أجل، يجب أن يعرف الناس أن قضاءهم صارم وأن إمبراطورهم حليم رحيم، فأصدر أمرك بإخراج شراط من السجن في هذه الساعة.
فانحنى الوزير وخرج مدهوشا.
Page inconnue
الفصل الثاني
نفحات الهوى
في ضحى اليوم التالي دفع كاتب السر إلى الإمبراطور فرنز جوزف بطاقة مدام آلدر فون كيس، فلما رآها الإمبراطور لم يتمالك أن ابتسم ثم قال: قل لهذه السيدة أن تأتي الساعة الرابعة بعد الظهر. - معها يا مولاي فتى تقول إنه أخوها. - بل قل لها أن تأتي وحدها ولا داعي لامتثال أخيها. •••
ولما حانت الساعة الرابعة كانت مدام آلدار كيس ماثلة لدى الإمبراطور فرنز جوزف وهي أربط جأشا من قبل، وقد جمعت في نفسها كل ما عندها من الأبهة والجلال، واستتمت كل ما لها من الحسن والجمال. وكان الإمبراطور يبالغ في الابتسام ليخفي ما يبدو من هيبته الرهيبة مخافة أن ينفر تلك الحمامة الوديعة.
فأمرها أن تجلس على كرسي في مقربة منه، فكان مقابلا لجانبها الأيمن؛ ولهذا كانت معظم الوقت ملتفتة إليه إلا نادرا، ولما جلست قال باسما: عسى ألا يكون قد راعك حكم المحكمة عند صدوره يا مدام. - إنه لحكم عادل يا صاحب الجلالة والعدل، لا يروع بل يطأطئ الرأس له احتراما، وإنما حلم جلالتكم يرفع الرأس للدعاء ويخفق له الفؤاد حبورا. إن أهل فينا بل بلاد النمسا كلها تلهج اليوم بالثناء على جلالة إمبراطورها الذي يؤدب الخطأة من رعيته بالحلم والصفح.
وكان الإمبراطور يتهلل بشرا وبهجة، فقال: لقد أحسنت في طلب العفو لأخيك يا مدام؛ لأني كنت مصمما على تأديبه في الحبس، لو لم يثر هذا البهاء في قلبي عاطفة الحلم والشفقة.
فتوردت المرأة وقالت مستقدمة كل ما تستطيعه من اللطف والرقة: إن الحلم والشفقة خلقة في جلالة مولانا الإمبراطور. - وللغضب مكان حتى في قلب الملاك يا مدام، ونحن الرجال أقرب إليه منكن، ولا يطفئ سورة غضبنا إلا رذاذ من ماء جمالكن.
فاكفهرت المرأة قليلا، وقبل أن تجد جوابا لهذا القول قال الإمبراطور: أظن زوجك من أسرة معروفة، أظنه من النبلاء، فإني أتذكر اسم كيس.
فأغضت المرأة قليلا ثم قالت: نعم، إنه من نبلاء هنجاريا المخلصين لجلالة مولاي. - ولكني لا أذكر أني رأيته في البلاط. - ربما لم يستحق هذا الشرف العظيم. - مهما يكن السبب فقد أصبح يستحقه منذ الآن. - إن تعطفات مولاي سلسلة لا تنتهي. - إذن أنتظر أن أراكما في التشريفات القادمة.
فصمتت المرأة كأنها حارت ماذا تجيب، فاستغرب الإمبراطور وقال: هل من مانع؟ - أجل يا مولاي، إني أخجل أن أقول إن الفون كيس لا يستحق هذه النعمة. - عجبا! - وليس في وسعي أن أبلغ إليه بشراها. - عجبا، عجبا! - لقد هجرني منذ عام يا مولاي. - السبب؟ السبب؟ - إنه مقامر مسراف، وبدلا من أن ينفق علي وعلى ولدنا أراني مضطرة أن أنفق عليهما، وأن ألقم فم قماره المفغور على الدوام. أرجو أن يصفح مولاي عن جسارتي في أن أشكو من زوجي، ولكن إذا كنت لا أشكوه إلى ولي النعم ومنصف الجميع، فلمن أشكوه؟
Page inconnue
فظهرت ملامح الغضب على محيا الإمبراطور وقال: لا بد أن يكون الفون كيس في منتهى الحمق والطيش، وإلا فلا أفهم كيف يستطيع رجل عاقل أن يغضب ملاكا كريما.
فاشتد ازمهرار المرأة واستمر الإمبراطور يتكلم فقال: إني سأبذل جهدي في تقويم عوج هذا الأحمق، وكيف تنفقين عليه يا مدام؟ هل لك مورد تليد؟ - كلا يا مولاي، وإنما لي مورد طريف؛ إني أكسب رزقي باستحقاق. - تشتغلين؟ - أمثل في ملعب «ستات».
فحملق الإمبراطور قليلا وقال: إذن ممثلة؟ - نعم يا مولاي. - وأظنك كوكبة الملعب.
فامتقعت باسمة وقالت : كذا يلقبني الجمهور، ولكني لا أثق أني أستحق هذا اللقب قبل أن يوافق عليه جلالة الإمبراطور. - إني أود أن أراك تمثلين في ملعب هوفبرغ الإمبراطوري، أما رآك مديره تمثلين؟ - لا بد أن يكون قد رآني. - أما طلب إليك أن تنضمي إلى جوقته؟ - ربما فعل بأسلوب غير صريح، ولعل الله رام أن يكون حصولي على هذا الشرف العظيم بأمر جلالتكم لا باختيار مدير الملعب. - إذن سأراك تمثلين في ملعب هوفبرغ؟ - إن نعم مولاي متوالية، فلا يمكن أن يشملها شكر وحمد. - سأوعز إليه أن يطلب مدام فون كيس. - بل كاترين شراط يا مولاي؛ لأنه منذ هجرني زوجي استعرت اسمي القديم، وبه أنا معروفة عند جماعة الممثلين والجمهور. - حسنا جدا، وأود أن تحافظي على هذا الاسم اللطيف، إلا إذا كنت ترغبين في إصلاح الأمر بينك وبين زوجك.
وهنا كان نظر الإمبراطور منحرفا عن جهة الممثلة، ولكنه لمح أنها أطرقت وهي تقول: كنت أود أن يكون علاج هذا الموضوع ناجعا؛ ولكني جربت كل علاج بلا جدوى، فيعز علي أن يغدق مولاي نعمة نصحه على من لا يقدرها قدرها.
فابتسم الإمبراطور وقال: ما دمت غنية عنه فدعيه حتى يرعوي من نفسه، وما دمت ذات صلة بالبلاط فأنت في غنى عنه. - إن رضى مولاي لهو الغنى، بل هو السعادة التي يحلم بها الكثيرون ويستحقها القليلون، ولكن قد ينالها من لا يستحقها أيضا.
فضحك الإمبراطور قائلا: كأنك تنتقدين على الإمبراطور وضع الشيء في غير محله، أو أنه يخطئ في منح عطاياه.
فاكفهرت قليلا ثم قالت: بل أعني أن جلالة مولاي حليم جدا يسبغ النعمة على من يستحقها ومن لا يستحقها، لكي يبذل غير المستحقها جهده في أن يجعل نفسه مستحقا لها.
فقهقه الإمبراطور قائلا: كأنك تقولين إن الإمبراطور يمنح الجزاء سلفا. - كذا كذا يا مولاي. - إذن هذا جزاء حسناء ملعب هوفبرغ العتيدة.
وأخذ من جيبه علبة يدل ظاهرها على نفاسة ما في باطنها ودفعها إليها، فنهضت حالا وجثت بين يديه وتناولت العلبة خافقة الفؤاد، فأمسك الإمبراطور فرنسيس جوزف كفها وضغطها وهو يرفعها حتى وقفت معه. فانحنت مدام شراط على كفه وقبلتها وهو يضغط بكفيها على صدره، ثم قال: أود أن أرى حسناء هوفبرغ تستحق أكثر من هذه الهدية.
Page inconnue
فابتسمت عن ثغرها وقالت: ستبذل حسناء هوفبرغ جهدها في أن تكون أمة مخلصة ولائقة للعبودية لجلالة إمبراطورها.
الفصل الثالث
زوبعة زعزعت فؤادا
ما هي إلا بضعة أشهر حتى جعلت جرائد فينا تطنطن بما سيراه الجمهور في الملعب الإمبراطوري هوفبرغ من سمو موضوع الرواية وعظم مقامها، ومن أبهة حسناء الملعب مدام كاترين شراط وجمالها وبراعتها في التمثيل. وما صدق أهل فينا أن حان موعد افتتاح الملعب الإمبراطوري بالثوب الجديد حتى اكتظ الملعب بنبلاء المدينة وسراتها، ولا سيما لأن الإمبراطور فرنز جوزف والإمبراطورة زوجته كانا في المقصورة الإمبراطورية.
في الفصل الأول ظهرت مدام كاترين شراط فدوى الملعب بالتصفيق لجمالها وجلالها، وكان كلما بدا في تمثيلها معجب صفق لها الجمع حتى الإمبراطور نفسه، ولم يستثن من التصفيق إلا الإمبراطورة.
ولما انتهى الفصل الأول تنحى الإمبراطور إلى القاعة الإمبراطورية المختصة بالتدخين، حيث مثل لديه بعض كبار حكومته؛ أما الإمبراطورة فبقيت في المقصورة بالرغم من إلحاح الإمبراطور عليها أن تتنحي إلى القاعة الأخرى، ثم أمرت أحد الحارسين في باب المقصورة أن يستدعي مدير الملعب، فلبى المدير الأمر في الحال، وراعه ما رآه من عبوسة الإمبراطورة، ولا سيما لأنها لم تأمره بالجلوس، بل بقي ماثلا لديها مثول العبد أمام سيده، فقالت: أرى كل شيء جديدا الليلة. - نعم يا صاحبة الجلالة، فإننا نبذل ما في الوسع لجعل الملعب الإمبراطوري في مقدمة ملاعب أوروبا، فالرواية جديدة وبعض الممثلين جدد أيضا. - والملابس جديدة أيضا؟ - نعم، فعسى أن تكون جلالة الإمبراطورة راضية عن اعتنائنا بإتقان كل شيء.
وكانت الإمبراطورة تزداد تقطيبا فقالت: من صنع ملابس الممثلة مدام شراط؟
فاختلج مدير الملعب إذ أدرك النقطة التي تسدد إليها غضب الإمبراطورة وقال: صنعت يا مولاتي في المصنع الإمبراطوري. - حيث تصنع ملابس الإمبراطورة؟
فاختبل الرجل وحار فيما يجيب، واستأنفت الإمبراطورة الكلام قائلة : لم يبق إلا أن تأتوا بالإمبراطورة نفسها وببطانتها إلى الملعب لكي تسروا الشعب.
فانحنى الرجل وكاد يجثو على الأرض وهو يقول: يا صاحبة الجلالة، لو لم يكن جلالة الإمبراطور قد أذن بأن تصنع ملابس الممثلة مدام شراط في المصنع الإمبراطوري، لكنت ألغي هذه الملابس في الحال. - وقد بلغت القحة منكم أن تستأذنوا جلالة الإمبراطور في أمر لا يدري من شئونه شيئا؛ لأنه من خصائصي. - عفوك يا مولاتي يا ذات الجلالة، إني أستأذن جلالته في إبدال الملابس.
Page inconnue
فتغيظت الإمبراطورة شديد التغيظ وقالت: ألا تزال تزج جلالة الإمبراطور في هذه المسألة بعد أن صرحت لك عن إرادتي؟ - ليكن ما تشائين يا جلالة الملكة. - كفى كفى.
فانحنى الرجل أمامها وخرج مرتبكا، وذهب توا إلى داخل المسرح واستدعى مدام شراط قائلا: انزعي ملابسك حالا والبسي ما تشائين من ملابس الملعب الأخرى.
فذعرت المرأة قائلة: لماذا لماذا؟ - جلالة الإمبراطورة غير راضية.
فاكفهرت مدام شراط وارتبكت في الأمر وترددت قائلة: ماذا تقول؟ جلالة الإمبراطورة؟ - لا وقت الآن لقص التفاصيل، يكفي أن أقول لك اخلعي هذه الملابس إرضاء لجلالتها. - هل درى جلالة الإمبراطور بذلك؟ - ليس ذلك من شأن جلالته.
فتقطبت مدام شراط قائلة: ليس من شأن جلالته؟ إذن من شأن من هذا؟ لا نعلم بسلطة فوق سلطة جلالة الإمبراطور، يجب أن نستأذن جلالته في نقض إذنه، وإلا فتتحمل وحدك تبعة هذا النقض.
فتحير المدير واشتد ارتباكه، ثم خرج وأوعز إلى كبير أمناء الإمبراطور أن يستأذن له في مقابلة خاصة قبل رفع الستار عن الفصل الثاني، وفي دقيقة كان المدير في حضرة الإمبراطور وحده فقال: إن جلالة الإمبراطورة غاضبة لظهور مدام شراط بملابس من صنع المصنع الإمبراطوري الخاص، ويصعب جدا إبدال الملابس في أثناء التمثيل. فإذا كانت جلالتها تأذن بتأجيل إبدال الملابس منذ الليلة القادمة نمنع القال والقيل بشأن إبدالها النهائي.
فعبس الإمبراطور وفكر هنيهة ثم ابتسم وقال: استمروا في شغلكم وجلالة الإمبرطورة ترضى بما يرضى به الإمبراطور.
فانحنى مدير الملعب وخرج متنفسا الصعداء. وأما الإمبراطور فعاد إلى المقصورة وجلس إلى جانب الإمبراطورة، ولم تخف عليه كآبتها، وما هي إلا دقائق قليلة حتى ارتفع الستار عن الفصل الثاني واستؤنف التمثيل، ولو كان الإمبراطور إلى يسار الإمبراطورة لسمع ضربات قلبها وهي تنتظر ظهور مدام شراط.
وما طال الوقت حتى ظهرت مدام شراط بالثوب عينه الذي ظهرت فيه في الفصل الأول، فما كان من الإمبراطورة إلا أن نهضت على قدميها كأن قوة غير منظورة أوقفتها، وقالت: أود أن أرتاح في غرفتي يا سيدي. - عجبا! - إني تعبة غير مسرورة، إذا شئت يا سيدي أن تبقى فأذهب وحدي في حاشيتي.
وما تمهلت لحظة بل خرجت على الأثر حتى ارتبك الحرس، فخرج الإمبراطور آخذا بيدها وقال: الحرس إلى القصر.
Page inconnue
فأسرع الحراس الذين عند باب المقصورة وأرسلوا الأمر إلى الحراس المنتظرين في الإيوان الخاص بهم، فركب هؤلاء في الحال وحفوا بالمركبة الإمبراطورية التي درجت في الحال بالإمبراطور والإمبراطورة إلى القصر.
وما أشارت الإمبراطورة إلى سر تغيظها حتى أقنعها الإمبراطور بأن الملعب إمبراطوري؛ فلا حرج أن يكون فيه كل ما يليق بالإمبراطورية، ولم تجسر الإمبراطورة أن تمس الموضوع الذي كان يلعب بظنونها.
وقد مرت أيام فصل التمثيل ومدام شراط تظهر بالثوب الذي كان قذى في عيني اليصابت بنت دوق بافاريا وملكة النمسا.
الفصل الرابع
رذاذ دهاء على جذوة غيرة
في ذات يوم تأخر الإمبراطور فرنز جوزف في الصيد خلافا لعادته، فلعب الفأر في صدر إليصابات الإمبراطورة، فكانت تطوف في قاعات القصر على غير هدى وهي تلاهي نفسها هنا وهناك بما ترى وما تنظر، ولكن ثورة القلق كانت سائدة، ومتى كان القلق قلق غيرة فلا ينجي منه حول ملك ولا طول دولة.
لم يعد الإمبراطور إلى القصر حتى ضحى اليوم التالي، بعد أن ورد إلى الإمبراطورة بلاغ رسمي أن الإمبراطور قضى ليلته في قصر شن برن لسبب تأخره في الصيد.
وبعد أن دخل الإمبراطور إلى غرفته الخاصة استلفت نظره ما صادفه من تغير بعض الأشياء في مواضعها، فاستدعى إحدى الوصيفات وسألها: هل دخل أحد إلى هذه الغرفة؟ - نعم يا مولاي، جلالة الإمبراطورة أقامت فيها برهة وهي قلقة لطول انتظارها عودة جلالتكم.
وخرجت الوصيفة وبقى الإمبراطور يفحص ما في الغرفة، ولما أبدل ملابسه قصد إلى خدر الإمبراطورة ودخل إليها هاشا باشا، ولم تخف عليه آمائر كآبتها، فقال بعد أن جلس إلى جانبها: إني متأسف لاضطراري إلى التأخر يا إليصابات، فإن القنص كالقمار يغري، سواء في حالتي الإقبال والإدبار، ولكني توفقت كل التوفيق وستتغدين اليوم من صيدي.
فقالت وهي لا تزال عابسة: لا ريب عندي أنك كنت موفقا، ولست أنتظر طعام الغداء برهانا على توفيقك.
Page inconnue
فقال محاولا مضاحكتها: بالطبع، إن تأخري وحده يكفي برهانا على توفيقي. - لا ريب أن توفيقا كتوفيقك يوجب هذا التأخر. - أليس كذلك؟ - من غير بد. - لو كان في وسعك أن تتحملي مشقات المطاردة يا إليصابات لكنت آخذك معي.
فتبرمت قائلة: إن صيدك يا سيدي لا يستلزم مطاردة، فهو موجود تحت أمرك، ولو كنت موجودة معك لنفر صيدك منك، فخير لك أن أبقى بعيدة عن ...
فابتسم الإمبراطور مكفهرا قليلا ثم قال: عماذا؟ - عن حيث يوجد صيدك. - أين؟ - في هيتزنغ.
فقال الإمبراطور مغضوضيا: أحب الصراحة يا إمبراطورة.
فأجابت ممتقعة: وأنا أحبها أيضا. - إذن ماذا تعنين في هيتزنغ؟ - أعني أن مدام شراط هناك. - وغيرها كثيرون هناك أيضا. - ولكنها في الصرح الصغير. - وهبي الأمر كذلك. - في الصرح الذي أهديتها إياه. - لا أرى أمرا مستهجنا في أن يهدي الإمبراطور هدايا ثمينة لنوابغ رعاياه تشجيعا لهم ومكافأة لاجتهادهم، وقد علمت أن كل أهل فينا يطنبون في تمداح الممثلة مدام شراط؛ فرأيت من الواجب أن أهديها هدية. - ليس المستهجن أن يهدي الإمبراطور هدايا لنوابغ رعاياه، وإنما المستهجن أن يهدي الإمبراطور صرحا لكاترين شراط مجاورا لقصر شن برن العظيم. - لا أرى هجنة في ذلك إذا اتفق أن الصرح قريب من القصر. - ولا ترى هجنة في أن ينفتح بين القصر والصرح طريق خاص؟ - هذا الطريق فتح قبل أن يهدى القصر. - نعم، ولكن فتح بعد أن نوي إهداؤه. - وما معنى كل ذلك يا إليصابات ؟ - معناه أن مدام شراط تؤخر الإمبراطور في الصيد ليلة.
فتململ الإمبراطور وكظم غيظه وقال متضاحكا: إنك تتهمين الإمبراطور تهمة تعاقبين عليها. - أود أن تكون تهمة كاذبة وأتحمل العقاب بصبر. - إني أنكر كل ما تعزينه إلي، وما أكرمت هذه الممثلة إلا مكافأة لنبوغها بعد أن مدحها الجمهور، وصار الشعب يلومني إذا لم أتعطف عليها بهدية. - ولكن لا تنس يا إمبراطور أن مدام شراط لم تنل مدح الجمهور لو لم تظهر في الملعب الإمبراطوري ممثلته الأولى، ولم تظهر فيه كذلك إلا بعد أن أمر الإمبراطور بذلك. فقد أوجدتها لكي تكافئها. - لو لم تكن أهلة للثناء لما نالته، ولو أمر ألف إمبراطور.
فابتسمت قليلا ثم قالت: عسى أن يكون كلامي افتراء، ولكن ما معنى إهداء الصرح بعد إهداء الوفير من الحلي. - كل تلك الحلي التي أهديتها لمدام شراط لا تليق بأن تكون هدية إمبراطور النمسا لنابغة ممثلاتها. - حسنا، وهل الصرح لائق بذلك؟ - بالطبع. - والعقد؟ - أي عقد؟ - عقد اللؤلؤ النفيس الذي لم تهد الإمبراطورة مثله حتى ولا يوم عرسها. - ما شأنه؟ - هدية لمدام شراط أيضا؟
فازمهرت عينا الإمبراطور قليلا ثم قال: لا علم لي بهذي الهدية. - عجبا أتنكر؟ - لم أهدها عقدا قط، ولا علم لي بعقد لمدام شراط. - لم تهدها إياه بعد، ولكنك لا تنكر أنك أعددته هدية لها. - وبهذا تفترين علي أيضا يا إليصابات. - عجبا هل تريد أن أقنعك بالمحسوس؟ - نعم. - إذن قم معي.
وأمسكت بيده فتبعها، حتى دخلت إلى غرفته وتقدمت توا إلى مكتبه، وأخذت المفتاح من المكان الذي كان مخبئا فيه، وفتحت الدرج وقالت: انظر هذه العلبة. - نظرتها؟ - العقد فيها، أليس العقد فيها؟ لعلك أخفيته. ثم تناولت العلبة وفتحتها فظهر فيها عقد من اللؤلؤ يساوي عشرة آلاف جنيه، وقالت: هذا العقد لمدام شراط أيضا.
فقال: من قال لك أنه لها؟ - إذن لمن هو؟ - اقرئي ما كتب على المادليون الألماسي الذي علق فيه.
Page inconnue
فأنعمت الإمبراطورة النظر وقرأت الكتابة مدهوشة، فإذا هي:
هدية من الإمبراطور فرنز جوزف إلى زوجته الإمبراطورة اليصابت تذكارا لعيد ميلادها.
ثم التفتت إليه مبهوتة وقالت: عجيب، تأملت هذا العقد جيدا، ونظرت في هذا المادليون فلم أر فيه هذه الكتابة، بل لم أر فيه هذا البهاء الباهر، فكأنه غير ما رأيته.
فابتسم الإمبراطور وقال: لا بدع أن لا ترى هذا المادليون كما رأيتيه الآن يا مدام؛ لأن وساوس صدرك أظلمت بصرك، ولو كنت تنفين هذه الوساوس من نفسك لكنت ترين الإمبراطور كما هو لك.
فابتسمت وقالت: أحقيق أن ما في صدري وساوس لا حقائق يا فرنز؟ أتمنى أن أكون مخطئة وألتمس منك الصفح، إن هذه الهدية ثمينة يا فرنز ولكن إخلاصك عندي أثمن جدا.
ثم ارتمت عليه وقبلته، فقبلها وهي تقول له: سامحني يا فرنز سامحني.
فقال: إني أسامح سوء ظنك، ولكني لا أغفر لك بحثك في غرفتي واطلاعك على دخائلي الخصوصية. - أما أنا، فأسمح لك أن تطلع على كل شيء في غرفتي الخاصة، فلا تجد إلا كل برهان على إخلاصي لك.
فقال باسما: أجل، ولكن لا يخفى عليك أن هذه الغرفة غرفة رئيس المملكة كلها، وأما غرفتك فغرفة ربة القصر فقط. - إذن هلم بنا إلى غرفتي حيث أكون صاحبة الأمر والنهي. - سمعا وطاعة يا ذات الجلالة.
ومشى معها إلى غرفتها وهي تبالغ في ملاطفته، ثم جلسا فقالت: «أود أن أفعل في مملكتي الصغيرة هذه ما يسرك، فقل ماذا تريد أن أفعل؟» - أريد أن تأمري وتنهي. - إذن نشرب كأسا معا. - نشرب.
فأوعزت إليصابات في إحضار المشروب وتساقيا برهة وهما يتنقلان في أحاديث مختلفة، ثم قال: إذا كانت أوامرك ونواهيك قد انتهت فاسمحي لي أن أعود إلى مكتبي، حيث أرى بعض أشغال المملكة. - لك ذلك يا عزيزي. - أليس لك أمر آخر؟
Page inconnue
ففكرت إليصابات هنيهة ثم قالت: نعم، نعم، لي رجاء لا أمر، وهو أن تعين البارون هرمن برجن ابن مربيتي مرثا في سكرتيرية البلاط.
ففكر الإمبراطور هنيهة ثم قال: سأنظر في الأمر يا عزيزتي. - ما كنت أظن الأمر يحتمل نظرا. - سأفعل ما يسرك. - إذن قبلني قبل أن تخرج.
الفصل الخامس
مرارة النفس
اختلت الإمبراطورة إليصابات في ذلك المساء في غرفتها وهي في منتهى الكآبة، وقلما جسرت واحدة من وصيفاتها أن تدخل عليها وهي لم تدع واحدة منهن قط.
وكانت الإمبراطورة قد اصطحبت معها من دوقية بافاريا مربيتها البارونة مرثا برجن؛ لأنها كانت تثق بها ثقتها بأمها، وكانت البارونة تحبها محبة الأم لابنتها؛ ولهذا كانت موضوع ثقتها وذات دالة عليها، وهي بين بطانة الملكة كانت الوحيدة التي تدخل على الإمبراطورة باستئذان أو بغير استئذان إذا لم يكن ثمة داع للاستئذان.
ففي ذلك المساء قلقت مرثا على الإمبراطورة لطول انفرادها في خدرها، فدقت على الباب مستأذنة أن تدخل، فتنهدت إليصابات ملء صدرها وقالت: تعالي يا مرثا تعالي، لعل الفرج عندك.
فدخلت مرثا ورأت امتقاع لون إمبراطورتها، فاكتأبت وقالت: عفوك يا سيدتي يا حبيبتي، هل من جديد يؤلمك؟ - آه يا مرثا يا عزيزتي، يا أمي يا معزيتي، لقد استوى القديم والجديد عندي، لقد تحققت الآن أنه ليس في الدنيا ما يكفل السعادة لإنسان حتى الملك نفسه لا يكفله، وربما كنت أشقى من أشقى أشقياء رعاياي. - هل ساءك جلالة الإمبراطور سوءة جديدة يا حبيبتي؟ - إن الإمبراطور يسوءني كل دقيقة من حياتي، ما دام ذا صلة بتلك الممثلة الساقطة. - هل تأكدت ... - لا شك أنه كان هناك، ولا يمكن أن تجوز علي تمويهاته.
فتأوهت البارونة قائلة: إنها لامرأة داهية، ولكن جلالته حاذق. وأعجب كيف ...
فقاطعتها الإمبراطورة قائلة: تبا لها من فاجرة، أليس لها زوج مسيطر عليها؟ - بلى لقد تحققت يا عزيزتي أن لها زوجا من نبلاء هنجاريا يدعى البارون الدر فون كيس. - عجبا! وهل يسكت هذا النبيل عن زيغان زوجته؟ لا أدري لماذا لا يحصنها في خدرها كما يليق بنبيل مثله؟
Page inconnue