Fatima Zahra et les Fatimides
فاطمة الزهراء والفاطميون
Genres
هل هو مجنون مطبق الجنون؟ إن المجنون المطبق الجنون لا يستغرب منه قتل أبنائه في شباب ولا شيخوخة، وتزول بهذا غرابة القتل، ولكنها تزول لتخلفها غرابة أعضل وأدهى، وتلك هي قدرة المجنون المطبق الجنون على التدبير المحكم عاما بعد عام، وقدرته على حفظ مكانه ومكانته بين وزرائه وأعوانه ومنهم الأذكياء والدهاة وفيهم الشجاعة والهمة والإقدام!
هل له عقيدة يصبر في سبيلها على الشظف والضنك ويستبيح من أجلها إراقة الدماء، دماء الأبناء كدماء الأعداء؟
إنه خلق العقيدة النزارية خلقا فمن البعيد أن يخلق العقيدة وينخدع بها ويصبر في سبيلها على ما صبر عليه ويستبيح في سبيلها ما استباح.
والذي يبطل الحيرة في اعتقادنا هو التفسير المقبول لطبيعة هذا الإنسان العجيب.
ونبدأ فنقول: إننا ينبغي أن نستغرب من حسن بن الصباح ما هو غريب منه لا ما هو غريب من غيره، ولو كانوا معظم الناس.
فالغريب في طباع الناس تجردهم من الحنان الأبوي أو فتور هذا الحنان فيهم، ولكن هل خلا الجنس البشري من آحاد يهون عندهم الحنان في جانب النوازع القوية التي لها السلطان عليهم وليس لهم عليها سلطان؟ هل خلا الجنس البشري من آحاد نراهم بيننا تستهويهم الشهوات الصغار فضلا عن الشهوات الكبار، فلا يبالون ما يصيب أبناءهم من جراء تلك الشهوات؟
وهل من البعيد أن يكون ابن الصباح هذا من أولئك الذين تملكهم نازعة تطغى على حنان الأبوة؟
كلا! ليس هذا بالبعيد على الإطلاق، بل هو دأب الطامحين من أمثاله إلى السيطرة، ودأب الذين يهون عليهم شظف العيش ولا يهون عليهم الخضوع والبقاء في زوايا الإهمال. وقد يكون الولدان اللذان أمر بقتلهما قد تآمرا عليه مع بعض أعوانه المتطلعين إلى مكانه كما جاء في بعض الروايات، وقد يكون أحدهما هو الذي تآمر عليه كما هو الأرجح، ويكون ظنه بالآخر أنه لا يفلح ولا يؤمن على مصير الدولة بعده. وقد يكون بطشه بابنه في سبيل رسالته هو المسوغ المقبول أمام ضميره لإقدامه على البطش بالغرباء في هذا السبيل. •••
فإذا كان الظن بجنونه المطبق حيرة، وكان الظن بغفلته حيرة مثلها، فأنفى الظنون للحيرة أنه أطاع طبعه في طلب الغلبة على الرغم منه، وأنه اتخذ من فساد زمانه حجة على وجوب رسالته وقداستها، وأنه راض نفسه على شدائد تلك الرسالة لتكون الشدائد التي يضطلع بها حجة له على صدقه ومطاوعة طبعه، وأنه كان عرضة لسورة الغضب ونوبة الفتك في أزمات طبعه ولكنها سورات
7
Page inconnue