Fatima Zahra et les Fatimides
فاطمة الزهراء والفاطميون
Genres
لم يكن يريد أن يقول: إن المعز أقدر من الله وإلا لما قال بعد ذلك:
وكأنما أنت النبي محمد
وكأنما أنصارك الأنصار
وإنما أراد أن يتحذلق بما سمع عن صفات القدرة والعلم، وأن الله يوصف بالقدرة؛ لأنه يعطيها، وأن مشيئته سبحانه وتعالى تقوم بمن يندبه لإمضاء تلك المشيئة، فخلط وخبط، واتهمه الناس ولهم العذر فيما اتهموه به، ولم تكن به ولا بممدوحه حاجة إليه.
إلا أننا إذا صرفنا النظر عن هذا وأشباهه من ضروب الحذلقة والمبالغة في الشعر خاصة لم نجد في كلام القوم ما لم يألفه المتصوفة وأبناء الطريق من عبارات المجاز والكناية، وليس فيما روي عن ثقات الفاطميين شيء لم يسمع مثله من إمام كبير كمحيي الدين بن عربي في كتب التأويل أو كتب الترسل الصريح، وقد كتب محيي الدين إلى فخر الدين الرازي رسالة يقول فيها: «للربوبية سر لو ظهر لبطلت النبوة، وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم، وللعلماء بالله سر لو ظهر لبطلت الأحكام، فقوام الإيمان واستقامة الشرع يكتم السرية. إلى آخر ما قال عن التوحيد والاتحاد والوحدانية والأحدية. وفوق كل ذي علم عليم.»
وهذا كلام لولا ولع المتصوفة بالإغراب لقال قائله: إن النبوة لازمة؛ لأن الناس لا يكشفون سر الغيب بغيرها، وإن العلم لازم؛ لأن النبوة لا تصل إلى الناس أجمعين، وإن الأحكام لازمة؛ لأن العالم يزجره العلم والجاهل تزجره الأحكام. ولكن الإغراب في أساليب المتصوفة والحذلقة في أساليب من يسمعون ولا يفقهون أو من يفقهون القليل ويحبون أن يظهروا الفقه الكثير - كل أولئك يقود إلى الظنون حيث لا موجب للظنون.
وجملة القول: إن الباطنية الفاطمية لو لم تقترن بالدعوة إلى قيام دولة تحارب الدول القائمة لما استغربها الناس ذلك الاستغراب، ولا اضطربت حولها التهم والأقاويل ذلك المضطرب، فقد كان كل مذهب في ذلك العصر «باطنيا» على نحو من الأنحاء، وأوشك أن يتساوى في هذا أهل السنة وأصحاب التصوف وطلاب الفلسفة وإخوان الصفاء ممن يتذاكرون العلم بينهم، ويظهرون منه حينا بعد حين ما طاب لهم أن يظهروه.
فالإمام الغزالي - وهو من أقطاب أهل السنة ومبغضي الفلسفة - كان يؤلف للعامة غير ما يؤلفه للخاصة. وكان من كتبه ما يضن به على غير أهله، والإمام ابن عربي المتصوف كان يدين بالسرية ويرى أنها تمام العلم والمعرفة، وأبو العلاء المعري الشاعر الحكيم كان في رأي داعي الدعاة يخفي ما يعلم عن أناس يلعن بعضهم بعضا بالكفر والمروق من الدين، وشعارهم جميعا:
خل جنبيك لرام
وامض عنه بسلام
Page inconnue