Fatima Zahra et les Fatimides
فاطمة الزهراء والفاطميون
Genres
فإن صحت هذه الرواية فالتحدي فيها بإظهار النسب قبل الأب الرابع صادر من خبير بموضع الخلاف؛ لأن تاريخ النسب قبل الأب الرابع يوافق التاريخ الذي عمد فيه الأئمة العلويون إلى الاختفاء والتنكر بأسماء غير أسمائهم، وائتمان الدعاة دون غيرهم من أسرار ذريتهم وأولياء عهودهم، وإنما العجيب في الأمر أن يكون العزيز بالله هو الذي يتحداه المتحدي بإظهار نسب كنسب «الطائع» العباسي، مع أن الطائع نفسه قد علم بكتابة وزيره عضد الدولة إلى العزيز وحمله الهدايا إليه واعترافه بنسبه، وإنه تلقى منه الشكر «لإخلاصه في ولاء أمير المؤمنين ومودته ومعرفته نحو إمامته ومحبته لآبائه الطاهرين.»
وقد تواتر أن عضد الدولة هم بالخطبة في بغداد للخلفاء الفاطميين فرده أحد الدهاة من أصحابه عن هذا العزم، وقال له: «إنك مع خليفة تعتقد أنت وأصحابك أنه ليس من أهل الخلافة، ولو أمرتهم بقتله لقتلوه مستحلين دمه، ولكنك إذا أقمت علويا في الخلافة كان معك من تعتقد أنت وأصحابك صحة خلافته، فلو أمرهم بقتلك لاستحلوا دمك وقتلوك.»
وقد أشار صاحب «الروضتين في أخبار الدولتين» إلى قيام الدولة الأيوبية بعد الدولة الفاطمية، ولكنه يعلم أن صلاح الدين الأيوبي أذن بالخطبة في يوم الجمعة للخليفة الفاطمي، وأنه إنما حول الخطبة إلى الخليفة العباسي بعد وفاة العاضد آخر خلفاء الفاطميين، وأنه أطاع في ذلك أمر رئيسه نور الدين بن زنكي، ولم يكن لصحة النسب أو بطلانه شأن في هذا التغيير، ومرجعه الأهم إلى الخلاف بين مذهب الشيعة ومذهب أهل السنة؛ إذ كان الأيوبيون سنيين يشتدون في اتباع مذهب أهل السنة، وزادهم فيه شدة ما كان بين الكرد والديلم من النفور والنزاع، وكان الديلم شيعيين والكرد سنيين، وقد تفاقم النزاع بين رؤسائهم حتى سرى إلى الألقاب، فكان بنو بويه من الديلم يتلقبون بألقاب معز الدولة وركن الدولة وعضد الدولة، وكان الأيوبيون من الكرد يتلقبون بألقاب نجم الدين وعماد الدين وصلاح الدين.
ومما يلاحظ أن بعض المؤرخين يحيلون على البعد في كتابتهم عن الدعوة الفاطمية ودعاتها كلما خلطوا بين هذه الدعوة والدعوة الباطنية؛ فأبو المعالي الفارسي يقول في كتابه «بيان الأديان»: إن ميمونا القداح من مصر. وجملة المؤرخين يقولون عنه: إنه من فارس. وكل منهم يحيل إلى المكان البعيد حيث يتعذر عليه تحقيق الرواية بالسند الصادق في مكان قريب.
وصح من أجل هذا قول ابن خلدون: إن شهادة الشاهدين بالطعن في نسب القوم كانت على السماع، وأصاب المقريزي حين قال عن العلويين: «إنهم على غاية من وفور العدد وجلال القدر عند الشيعة، فما الحامل لشيعتهم على الإعراض عنهم والدعاء لابن مجوسي أو لابن يهودي؟ هذا ما لا يفعله مخلوق ولو بلغ الغاية في الجهل والسخف.»
والمقريزي وابن خلدون قد أرخا للمهدي الفاطمي بعد عهده بزمن طويل - وهما سنيان غير متشيعين - ولكنهما نظرا في مطاعن أعدائه نظرة المؤرخ المحقق فلم يجدا فيها حجة مقبولة، وقامت عندهما حجة النسب الصحيح مقام التغليب والترجيح، وقد عاصر المهدي مؤرخ أندلسي - هو عريب بن سعد - وكان ممن يوالون الأمويين، فلم يقدح في نسب الرجل ولم يسمع من أمراء أمية في الأندلس قدحا فيه.
وغاية ما ننتهي إليه في هذه المسألة - مسألة النسب الفاطمي - أن المطاعن لم تمسسه بدليل واحد يعول عليه، وأن مطاردة عبيد الله عند اتجاهه إلى المغرب دليل على أن العباسيين أنفسهم كانوا يخشون دعوته، وأن مبايعة الشيعة لأبنائه - سواء شيعة الديلم في بغداد أو شيعة الزيديين خاصة في اليمن - ترجح صدق انتسابهم إلى السيدة فاطمة الزهراء إن لم تؤكد كل التوكيد، وقد كانت دعوى المنكرين عليهم كما قدمنا في صدر هذا الفصل أضعف الدعوات؛ لأنها الدعوى المنتظرة التي تمليها البواعث المتعددة، فلا يتخيل أحد أن يتصدى الفاطميون لطلب الخلافة بحق ذلك النسب ثم لا يتعرضوا لإنكاره عليهم ما وسع المنكرين أن ينكروه.
الفصل الحادي عشر
الباطنية
كان المنتفعون بالطعن في نسب الفاطميين كثيرين متعددين، كلهم كما تقدم من ذوي السلطان أو أتباع ذوي السلطان، وقد استعانوا بالحول والحيلة في ترويج مطاعنهم واختراع أقاويلهم فاستمالوا إليهم في البلاد الإسلامية من لا مصلحة له في مطاعنهم، ولكننا نحسب - بعد مراجعة أخبار العصر وحوادثه - أن المطاعن في النسب لم تكسب على المصدقين إلا القليل الذين ينظرون إلى الأمر كله بغير اكتراث، أو يكترثون له ولكنهم عيال على الحوادث لا يقدمون ولا يؤخرون. أما الأثر البالغ في تنفير الناس من الفاطميين فإنما جاء من ربط الحركة الفاطمية بالحركة الباطنية، وادعاء الخصوم أن الباطنيين جميعا إسماعيليون ممن ينتمون إلى إسماعيل بن جعفر الصادق جد القائمين بالدعوة الفاطمية.
Page inconnue