الآن تؤرخ بيزدجرد آخر ملوكها. وهو الذي بزه الإسلام تاج إيوانه. وأطفأ نور الله بيت نيرانه. وأرخ اليونان من فيلبس أبي الاسكندر وإلى قلوبطرة آخرهم؛ وهؤلاء المسمون بالحنفاء وهم الصابئون. وأرخ الروم بالاسكندر لعظم خطره، وشهرة أثره. وأرخ النبط - بالعراق - والقبط - بمصر - بتواريخ موجودة في الكتب التي خلدوها، والأزياج التي رصدوها. وأرخ اليهود بأنيابهم وخلفائهم، وبعمارة البيت المقدس وبخرابه على ما اقتضاه نقل أوائلهم وآبائهم.
وكانت العرب قبل ظهور الإسلام تؤرخ بتواريخ كثيرة، فكانت حمير تؤرخ بالتبابعة ممن يلقب بـ ذو ويسمى بـ قيل وكانت غسان تؤخ بعام السد حين أرسل الله عرم السيل. وأرخت العرب اليمانية بظهور الحبشة على اليمن ثم بغلبة الفرس عليه. وأرخت معد بغلبة جرهم للعماليق وإخراجهم عن الحرم. ثم أرخوا بعام الفساد - وهو عام وقع فيه بين قبائل العرب تنازع في الديار فنقلوا منها، وافترقوا عنها. ثم أرخوا بحرب بكر وتغلب - ابني وائل - وهي حرب البسوس. ثم أرخوا بحرب عبس وذبيان - ابني يغيض - وهي حرب داحس والغبراء، وكانت قبل البعث بستين سنة. ثم أرخوا بعام الخنان. قال النابغة الذبياني.
فمن يك سائلا عني فإني ... من الفتيان في عام الخنان
وأرخوا بعده من مشاهير أيامهم وأعوامهم بعام المخانق، وعام الذنائب، ويوم ذي قار، وبحرب الفجار، وهي أربع حروب ذكرها المؤرخون، واسندها الراوون. وأدنى ما أرخوا به قبل الإسلام بحلف الفضول منصرف قريش من الفجار الرابع. وبحلف المطيبين - وهو قبل حلف الفضول. ثم قبل حلف الفضول. ثم بعام الفيل وهو الجار ذو القربى لتاريخ الإسلام. وبعده خرج إمام الجمعة فطويت الصحف وجفت الأقلام.
وأظهر الله على الأديان الدين القيم، ونسخ تاريخ الهجرة كل تاريخ متقدم، فأمن وقوع الخلف الواقع في تواريخ الامم، وجبت الهجرة ما قبلها جب الأنوار للظلم. ودفع الله الناس بعضهم ببعض، واستدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض. وسأل الله عباده على يد وكيل حقه من الأموال والأنفس ما يعيده إليهم مضاعفا من القرض.
ووقت هذه الهجرة الوقت الذي أمر به أمر الإسلام، ويومها اليوم الذي ما ولدت الليالي مثله من بنيها الأيام، وعامها الخاص بالفضل وكل ما بعده يعد من عوام الأعوام.
1 / 36