بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
قال الشيخُ الإمامُ العالم العلاَّمة، شمسُ الدين أبو عبد الله، محمد بن قاسم الشافعي - تغَمَّده الله برحمته ورضوانه، آمين: الحمد لِلّهِ تبرُّكا بفاتحة الكتاب، لأنها ابتداء كل أمر ذي بالٍ، وخاتمة كل دعاء مُجاب، وآخر دعوى المؤمنين في الجنة، دار الثواب؛ أحمده أن وَفَّقَ مَنْ أراد مِن عباده للتَّفَقُّه في الدين على وَفْق مُراده. وأصلي وأسلم على أفضل خلقه محمد سيد المرسلين، القائل: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»؛ وعلى آله وصحبه مُدةَ ذِكرِ الذاكِرين وسَهو الغافلين.
وبعد؛ هذا كتاب في غاية الاختصار والتهذيب، وضعتُه على الكتاب المسمى بـ «التقريب» لينتفع به المحتاج من المبتدئين لفروع الشريعة والدين، وليكون وسيلةً لنجاتي يومَ الدين، ونفعًا لعباده المسلمين؛ إنه سميع دعاء عباده، وقريب مجيب، ومن قصده لا يخيب. ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: ١٨٦].
واعلم أنه يوجد في بعض نُسَخ هذا الكتاب في غير خطبته تسميته تارة بـ «التقريب»، وتارة بـ «غاية الاختصار»؛ فلذلك سميته باسمين: أحدهما «فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب»، والثاني «القول المختار في شرح غاية الاختصار».
1 / 19
قال الشيخ الإمام أبو الطيب، ويشتهر أيضا بأبي شُجاع شهاب الملة والدين، أحمد بن الحسين بن أحمد الأصفهاني - سقى الله ثراه صبيب الرحمة والرضوان، وأسكنه أعلى فراديس الجنان: (بسم الله الرحمن الرحيم) أبتدئ كتابي هذا. واللهُ اسمُ الذات الواجب الوجود، والرحمن أبلغ من الرحيم. (الحمد لله) هو الثناء على الله تعالى بالجميل على جهة التعظيم، (ربِّ) أي مالك (العَالَمين) بفتح اللام، وهو كما قال ابن مالك: اسمُ جَمْع خاص بمن يعقل، لا جمعٌ ومفردُه عالَمٌ بفتح اللام، لأنه اسم عام لما سوى الله، والجمع خاصٌّ بمن يعقل.
(وصلَّى الله) وسلَّم (على سيدنا محمد النبي) هو - بالهمز وتركه: إنسان
1 / 20
أوحي إليه بشرع يعمل به وإن لم يُؤمَر بتبليغه؛ فإن أُمر بتبليغه فنبيٌّ ورسول أيضا. والمعنى ينشئ الصلاة والسلام عليه. ومحمَّدٌ عَلَم منقول من اسم مفعول المضعف العين، والنبيُّ بدل منه أو عطف بيان عليه. (و) على (آله الطاهرين) هم كما قال الشافعي: أقاربه المؤمنون من بني هاشم وبني المطلب. وقيل - واختاره النووي: أنهم كل مسلم. ولعل قوله: «الطاهرين» منتزع من قوله تعالى: ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب:٣٣]، (و) على (صحابته)، جمع صاحب النبي. وقوله (أجمعين) تأكيد لصحابته.
ثم ذكر المصنف أنه مسؤول في تصنيف هذا المختصر بقوله: (سألني بعضُ الأصدقاء)، جمع صديق. وقوله: (حفظهم الله تعالى) جملة دعائية،
1 / 21
(أن أعملَ مختصرا)، هو ما قل لفظه وكثر معناه (في الفقه)، هو لغةً الفهمُ، واصطلاحًا العلمُ بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية،
(على مذهب الإمام) الأعظم المجتهد، ناصر السنة والدين، أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس ابن عثمان بن شافع (الشافعي) وُلد بغزة سنة خمسين ومائة، ومات - (رحمة الله تعالى عليه ورضوانه) - يومَ الجُمُعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين.
ووصف المصنف مختصره بأوصاف، منها أنه (في غاية الاختصار ونهاية الإيجاز). والغاية والنهاية متقاربان، وكذا الاختصار والإيجاز؛ ومنها أنه (يقرب على المتعلم) لفروع الفقه (درسه، ويسهل على المبتدئ حفظه) أي استحضاره على ظهر قلب لمن يرغب في حفظ مختصر في الفقه. (و) سألني أيضا بعض الأصدقاء (أن أكثر فيه) أي المختصر (من التقسيمات) للأحكام الفقهية. (و) من (حصر) أي ضبط (الخصال) الواجبة
1 / 22
والمندوبة وغيرهما؛ (فأجبته إلى) سؤاله في (ذلك طالبا للثواب) من الله جزاءً على تصنيف هذا المختصر، (راغبا إلى الله ﷾ في الإعانة من فضله على تمام هذا المختصر و(في التوفيق للصواب) وهو ضد الخطأ، (إنه) تعالى (على ما يشاء) يريد (قدير) أي قادر، (وبعباده لطيف خبير) بأحوال عباده.
والأول مقتبس من قوله تعالى: ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ [الشورى: ١٩]، والثاني من قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٨]. واللطيف والخبير اسمان من أسمائه تعالى. ومعنى الأول العالِمُ بدقائق الأمور ومشكلاتها؛ ويطلق أيضا بمعنى الرفيق بهم؛ فالله تعالى عالم بعباده وبمواضع حوائجهم، رفيق بهم. ومعنى الثاني قريب من معنى الأول؛ ويقال: خَبَرتُ الشيء أخبر، فأنا به خبير، أي عليم. قال المصنف رحمه الله تعالى:
1 / 23
كتاب أحكام الطهارة
والكتاب لغةً مصدرٌ بمعنى الضَمِّ والجَمْع، واصطلاحًا اسمٌ لجنس من الأحكام. أما الباب فاسم لنوع مما دخل تحت ذلك الجنس.
والطَّهارة بفتح الطاء لغةً النظافةُ، وأما شرعًا ففيها تفاسير كثيرةٌ؛ منها قولهم: فعل ما تستباح به الصلاةُ، أي من وضوء وغسل وتيمم وإزالة نجاسة. أما الطُّهَارَة بالضم، فاسم لبقية الماء.
• أنواع المياه
ولما كان الماء آلةً للطهارة استطرد المصنفُ لأنواع المياه، فقال: (المياهُ التي يجوز) أي يصحُّ (التطهير بها سبعُ مِياه: ماءُ السماءِ) أي النازل منها، وهو المطر
1 / 24
(وماء البحر) أي الملح، (وماءُ النهر) أي الحلو (وماء البئر، وماء العين، وماء الثلج، وماء البرد). ويجمع هذه السبعة قولك: ما نزل من السماء أو نبع من الأرض على أي صفة كان من أصل الخِلْقَة.
• أقسام المياه
(ثم المياه) تنقسم (على أربعة أقسام): أحدها (طاهر) في نفسه (مُطَهِّر) لغيره (غير مكروهٍ استعمالُه، وهو الماء المطلق) عن قيد لازم؛ فلا يضر القيد المنفك كماء البئر في كونه مطلقا. (و) الثاني (طاهر) في نفسه (مطهر) لغيره (مكروه استعماله) في البدن، لا في الثوب؛ (وهو الماء المشمس) أي المسخن بتأثير الشمس فيه.
1 / 25
وإنما يكره شرعًا بقُطْر حارٍّ في إناء منطَبَع إلاَّ إناء النقدين لصَفاء جوهرهما. وإذا برد زالت الكراهة. واختار النووي عدم الكراهة مطلقا. ويُكره أيضا شديد السخونة والبرودة.
(و) القسم الثالث (طاهر) في نفسه (غير مطهر لغيره، وهو الماء المُستعمَل) في رفع حدث أو إزالة نجس إن لم يتغير ولم يزد وزنُه بعد انفصاله عما كان بعد اعتبار ما يتشربه المغسول من الماء؛ (والمتغير) أي ومن هذا القسم الماءُ المتغير أحدُ أوصافه (بما) أي بشيء (خالطه من الطاهرات) تغيُّرًا يمنع إطلاق اسم الماء عليه؛ فإنه طاهر غير طهور، حسيا كان التغير أو تقديريا؛ كأن اختلط بالماء ما يوافقه في صفاته، كماء الورد المنقطع الرائحة والماء المستعمل؛ فإن لم يمنع اطلاق اسم الماء عليه، بأن كان تغيّره بالطاهر يسيرا أو بما يوافق الماء في صفاته، وقدر مخالفا ولم يغيره فلا يسلب طهوريته؛ فهو مطهر لغيره.
واحترز بقوله: «خالطه» عن الطاهر المجاورُ له؛ فإنه باق على طهوريته ولو كان التغير كثيرا؛ وكذا المتغير بمخالط لا يستغني الماء عنه، كطين وطُحْلَب وما في مقرِّه وممره، والمتغير بطول المكث، فإنه طهور.
(و) القسم الرابع (ماء نجس) أي متنجس، وهو قسمان:
1 / 26
أحدهما (وهو الذي حلَّت فيه نجاسةٌ) تغير أم لا، (وهو) أي والحال أنه ماء (دون القلتين). ويستثنى من هذا القسم الميتة التي لا دمَ لها سائل عند قتلها أو شقّ عضو منها كالذُباب، إن لم تطرح فيه ولم تغيره؛ وكذا النجاسة التي لا يدركها الطرفُ؛ فكل منهما لا ينجس الماء. ويستثنى أيضا صور مذكورات في المبسوطات.
وأشار للقسم الثاني من القسم الرابع بقوله: (أو كان) كثيرا (قلتين) فأكثر (فتغير) يسيرا أو كثيرا.
(والقلتان خمسمائة رطل بغدادي تقريبا في الأصح) فيهما. والرطل البغدادي عند النووي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم. وترك المصنف قسما خامسا، وهو الماء المطهر الحرام، كالوضوء بماء مغصوب أو مسبل للشرب.
1 / 27
• تطهير جلود الميتة
﴿فصل﴾ في ذكر شيء من الأعيان المتنجسة وما يطهر منها بالذباغ وما لا يطهر.
(وجلود الميتة) كلها (تطهُر بالدباغ) سواء في ذلك ميتة مأكول اللحم وغيره. وكيفية الذبغ أن ينزع فضول الجلد مما يُعَفِّنه من دم ونحوه، بشيء حِرِّيف كعفص، ولو كان الحريف نجسًا كذرق حمام كفى في الدبغ (إلا جلدَ الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما) مع حيوان طاهر، فلا يطهر بالدباغ.
(وعظمُ الميتةِ وشعرُها نجسٌ) وكذا الميتة أيضا نجسة. وأريد بها الزائلة الحياة بغير ذكاة شرعية؛ فلا يستثنى حينئذ جنين المُذَكَّاة إذا خرج من بطن أمه ميتًا، لأن ذكاته في ذكاة أمه، وكذا غيره من المستثنيات المذكورة في المبسوطات. ثم استثنى من شعر الميتة قوله: (إلا الآدمي) أي فإن شعره طاهر كمَيتَتِه.
1 / 28
• استعمال الأواني
﴿فصل﴾ في بيان ما يحرم استعماله من الأواني وما يجوز. وبدأ بالأول فقال:
(ولا يجوز) في غير ضرورة لرجل أو امرأة (استعمال) شيء من (أواني الذهب والفضة)، لا في أكل ولا في شرب ولا غيرهما؛ وكما يحرم استعمال ما ذكر يحرم اتخاذه من غير استعمال في الأصح. ويحرم أيضا الإناء المَطْلِيّ بذهب أو فضة إن حصل من الطِلاَء شيءٌ بعرضه على النار.
(ويجوز استعمال) إناء (غيرهما) أي غير الذهب والفضة (من الأواني) النفيسة، كإناء ياقوت.
ويحرم الإناء المضبب بضبة فضة كبيرة عرفًا لزينة؛ فإن كانت كبيرة لحاجة جاز مع الكراهة، أو صغيرة عرفا لزينة كرهت، أو لحاجة فلا تكره. أما ضبة الذهب فتحرم مطلقا، كما صححه النووي.
• السواك
﴿فصل﴾ في استعمال آلة السواك. وهو من سُنَن الوضوء؛ ويطلق السواك أيضا على ما يستاك به من أراك ونحوه.
1 / 29
(والسواك مستحب في كل حال) ولا يكره تنزيها (إلا بعد الزوال للصائم) فرضا أو نفلا؛ وتزول الكراهة بغروب الشمس. واختار النووي عدم الكراهة مطلقا.
(وهو) أي السواك (في ثلاثة مواضع أشدُّ استحبابا) من غيرها؛ أحدها: (عند تغيُّر الفم من أزم) قيل: هو سكوت طويل. وقيل: هو ترك الأكل. وإنما قال: (وغيره) ليشتمل تغيُّر الفم بغير أزم، كأكل ذي ريح كريه من ثَومٍ وبَصَل وغيرهما؛ (و) الثاني (عند القيام) أي الاستيقاظ (من النوم)؛ (و) الثالث (عند القيام إلى الصلاة)، فرضا أو نفلا.
ويتأكد أيضا في غير الثلاثة المذكورة مما هو مذكور في المطولات، كقراءة القرآن، واصفرار الأسنان.
ويسن أن ينوي بالسواك السنةَ؛ وأن يستاك بيمينه، ويبدأ بالجانب الأيمن من فمه، وأن يمره على سقف حلقه امرارا لطيفا، وعلى كراسي أضراسه.
1 / 30
• فروض الوضوء
﴿فصل﴾ في فروض الوُضوء. وهو بضم الواو - في الأشهر - اسم للفعل، وهو المراد هنا؛ وبفتح الواو اسم لما يتوضأ به. ويشتمل الأولُ على فروض وسُنَن.
وذكر المصنف الفروض في قوله: (وفروض الوضوء ستة أشياء): أحدها (النية). وحقيقتها شرعا قصد الشيء مقترنا بفعله؛ فإن تراخى عنه سمي عزما. وتكون النية (عندَ غسل) أول جزء من (الوجه) أي مقترنة بذلك الجزء، لا بجميعه، ولا بما قبله، ولا بما بعده؛ فينوي المتوضئ عند غسل ما ذُكر رفعَ حدث من أحداثه، أو ينوي استباحة مفتقر إلى وضوء، أو ينوي فرض الوضوء، أو الوضوء فقط، أو الطهارة عن الحدث. فإن لم يقل عن الحدث لم يصحَّ. وإذا نوى ما يعتبر من هذه النيات وشرك معه نية تنظف أو تبرد صحّ وضوؤه.
(و) الثاني (غسل) جميع (الوجه). وحَدُّه طولًا ما بين منابت شعر الرأس غالبا، وآخر اللحيين؛ وهما العظمان اللذان ينبت عليهما الأسنان السفلى، يجتمع مقدمهما في الذقن، ومؤخرهما في الأذن. وحدُّه عرضا
1 / 31
ما بين الأذنين.
وإذا كان على الوجه شعرٌ خفيف أو كثيف وجب إيصال الماء إليه مع البشرة التي تحته.
وأما لحية الرجل الكثيفة بأن لم يرَ المخاطبُ بشرتَها من خلالها فيكفي غسل ظاهرها، بخلاف الخفيفة، وهي ما يرى المخاطب بشرتها، فيجب إيصال الماء لبشرتها، وبخلاف لحية امرأة وخنثى، فيجب إيصال الماء لبشرتهما ولو كثفا.
ولا بد مع غسل الوجه من غسل جزء من الرأس والرقبة وما تحت الذقن.
(و) الثالث (غسل اليدين إلى المِرْفَقين). فإن لم يكن له مرفقان اعتبر قدرهما. ويجب غسل ما على اليدين من شعر وسلعة وأصبع زائدة وأظافير. ويجب إزالة ما تحتها من وسخ يمنع وصول الماء.
(و) الرابع (مَسْحُ بعض الرأس) مِن ذَكر أو أنثى أو خنثى؛ أو مسح بعض شعر في حد الرأس.
ولا تتعيَّن اليد للمسح، بل يجوز بخرقة وغيرها. ولو غسل رأسه بدل مسحها جاز. ولو وضع يده المبلولة ولم يحركها جاز.
(و) الخامس (غسل الرجلين إلى الكعبين) إن لم يكن المتوضئ لابسا للخفين؛ فإن كان لابسهما وجب عليه مسح الخفين أو غسل الرجلين. ويجب غسل ما عليهما من شعر وسلعة وأصبع زائدة كما سبق في اليدين.
1 / 32
(و) السادس (الترتيب) في الوضوء (على ما) أي على الوجه الذي (ذكرناه) في عد الفروض. فلو نسي الترتيب لم يكف. ولو غسل أربعة أعضائه دفعةً واحدة بإذنه ارتفع حدث وجهه فقط.
• سنن الوضوء
(وسننه) أي الوضوء (عشرة أشياء)، وفي بعض نسخ المتن: «عشر خصال»: (١ التسمية) أوَّلَه. وأقلها بسم الله، وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم؛ فإن ترك التسمية أوَّلَه أتى بها في أثنائه؛ فإن فرغ من الوضوء لم يأت بها.
(٢ وغسل الكفين) إلى الكوعين قبل المضمضة، ويغسلهما ثلاثا إن تردد في طهرهما (قبل إدخالهما الإناءَ) المشتمل على ماء دون القلتين؛ فإن لم يغسلهما كره له غمسهما في الإناء، وإن تيقن طهرهما لم يُكرَه غَمسُهما.
(٣ والمضمضة) بعد غسل الكفين. ويحصل أصل السنة فيها بإدخال الماء في الفم سواء أداره فيه ومجه أم لا؛ فإن أراد الأكمل مجه.
1 / 33
(٤ والاستنشاق) بعد المضمضة. ويحصل أصل السنة فيه بإدخال الماء في الأنف، سواء جذبه بنفسه إلى خياشيمه ونثره أم لا؛ فإن أراد الأكمل نثره.
والمبالغة مطلوبة في المضمضة والاستنشاق. والجمع بين المضمضة والاستنشاق بثلاث غرف يتمضمض من كل منها ثم يستنشق أفضل من الفصل بينهما.
(٥ ومسح جميع الرأس) وفي بعض نسخ المتن «واستيعاب الرأس بالمسح». أما مسح بعض الرأس فواجب كما سبق. ولو لم يرد نزع ما على رأسه من عمامة ونحوها كمل بالمسح عليها.
(٦ ومسح) جميع (الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد) أي غير بلل الرأس. والسنة في كيفية مسحهما أن يدخل مسبحتيه في صماخيه ويديرهما على المعاطف، ويمرّ إبهاميه على ظهورهما، ثم يلصق كفيه، وهما مبلولتان بالأذنين استظهارا.
(٧ وتخليل اللحية الكَثَّة) بمثلثة من الرجُل؛ أما لحية الرجل الخفيفة ولحية المرأة والخنثى فيجب تخليلهما.
1 / 34
وكيفيته أن يُدخِل الرجلُ أصابعه من أسفل اللحية.
(٨ وتخليل أصابع اليدين وَالرِّجلين) إن وصل الماء إليها من غير تخليل؛ فإن لم يصِل إلا به - كالأصابع الملتفة - وجب تخليلها؛ وإن لم يتأت تخليلها لالتحامها حرم فتقُها للتخليل. وكيفية تخليل اليدين بالتشبيك، والرِجلين بأن يبدأ بخنصر يده اليسرى من أسفلِ الرِّجل مبتدئا بخنصر الرِجل اليمنى خاتما بخنصر اليسرى.
(٩ وتقديم اليمنى) من يديه ورجليه (على اليسرى) منهما. أما العضوان اللذان يسهل غسلهما معا كالخدين فلا يقدم الأيمن منهما، بل يطهران دفعة واحدة.
وذكر المصنف سنية تثليث العضو المغسول والممسوح في قوله: (١٠ والطهارة ثلاثا ثلاثا). وفي بعض النسخ «والتكرار» أي للمغسول والممسوح، (والموالاة). ويعبر عنها بالتتابع؛ وهي أن لا يحصل بين العضوين
1 / 35
تفريقٌ كثير، بل يطهر العضو بعد العضو، بحيث لا يجف المغسول قبله مع اعتدال الهواء والمزاج والزمان.
وإذا ثلث فالاعتبار لآخر غسلة. وإنما تندب الموالاة في غير وضوء صاحب الضرورة؛ أما هو فالموالاة واجبة في حقه. وبقي للوضوء سنن أخرى مذكورة في المطولات.
• الاستنجاء
﴿فصل﴾ في الاستنجاء وآداب قاضي الحاجة. (والاستنجاء) - وهو «من نَجوت الشيءَ»، أي قطعته، فكأن المستنجي يقطع به الأذى عن نفسه - (واجب من) خروج (البول والغائط) بالماء أو الحجر وما في معناه من كل جامد طاهر قالع غير محترم، (و) لكن (الأفضل أن يستنجي) أوَّلا (بالأحجار ثم يُتبعَها) ثانيا (بالماء). والواجب ثلاث مسحات ولو بثلاثة أطراف حجر واحد.
(ويجوز أن يقتصر) المستنجي (على الماء أو على ثلاثة أحجار يُنقي بهن المحلَّ) إن
1 / 36
حصل الإنقاء بها، وإلا زاد عليها حتى ينقى. ويسن بعد ذلك التثليث.
(فإذا أراد الاقتصارَ على أحدهما، فالماء أفضل) لأنه يزيل عين النجاسة وأثرها. وشرط أجزاء الاستنجاء بالحجر أن لا يجفَّ الخارج النجسُ، ولا ينتقلَ عن محل خروجه، ولا يطرأ عليه نجسٌ آخر أجنبي عنه؛ فإن انتفى شرط من ذلك تعيَّن الماءُ.
(ويجتنب) وجوبا قاضي الحاجة (استقبالَ القبلة) الآن وهي الكعبة، (واستدبارها في الصحراء)؛ إن لم يكن بينه وبين القبلة ساترٌ، أو كان ولم يبلغ ثلثي ذراع، أو بلغهما وبَعُد عنه أكثر من ثلاثة أذرع بذراع الآدمي - كما قاله بعضهم. والبنيان في هذا كالصحراء بالشرط المذكور إلا البناءَ المُعَدَّ لقضاء الحاجة، فلا حرمةَ فيه مطلقا. وخرج بقولنا: «الآنَ» مَا كان قِبلةً أولًا كبَيتِ المقدس؛ فاستقباله واستدباره مكروه.
(ويجتنب) أدبًا قاضي الحاجة (البولَ والغائط في الماء الراكد)؛ أما الجاري فيكره في القليل منه دون الكثير، لكن الأولى اجتنابه. وبحث النووي تحريمه في القليل جاريا كان أو راكدا.
1 / 37
(و) يجتنب أيضا البول والغائط (تحت الشجرة المثمرة) وقت الثمر وغيره؛ (و) يجتنب ما ذكر (في الطريق) المسلوك للناس (و) في موضع (الظل) صيفًا، وفي موضع الشمس شِتاءً، (و) في (الثقب) في الأرض، وهو النازل المستدير. ولفظ الثقب ساقط في بعض نسخ المتن.
(ولا يتكلم) أدبا لغير ضرورة قاضي الحاجة (على البول والغائط)؛ فإن دعت ضرورة إلى الكلام، كمن رأى حيَّةً تقصد إنسانا لم يكره الكلام حينئذ.
(ولا يستقبل الشمسَ والقمر ولا يستدبرهما) أي يكره له ذلك حالَ قضاء حاجته، لكن النووي في الروضة وشرح المهذب قال: إن استدبارهما ليس بمكروه؛ وقال في شرح الوسيط: إنَّ تركَ استقبالهما واستدبارهما سواء، أي فيكون مباحا. وقال في التحقيق: إن كراهة استقبالهما لا أصل لها.
وقوله: «ولا يستقبل» إلخ ساقطٌ في بعض نُسَخ المتن.
1 / 38