La Conquête du Puissant
فتح القدير
Maison d'édition
دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤١٤ هـ
Lieu d'édition
بيروت
مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَقَالَ: إِي وَاللَّهِ لَفَرَقَ الْبَحْرَ بَيْنَهُمْ حَتَّى صَارَ طَرِيقًا يَبَسًا يَمْشُونَ فِيهِ، فَأَنْجَاهُمُ اللَّهُ وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ عَدُوَّهُمْ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا هَذَا الْيَوْمُ؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فِصَامَهُ مُوسَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصَوْمِهِ» . وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ هِرَقْلَ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُهُ عَنْ أُمُورٍ، مِنْهَا عَنِ الْبُقْعَةِ الَّتِي لَمْ تُصِبْهَا الشَّمْسُ إِلَّا سَاعَةً، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَجَابَهُ عَنْ تِلْكَ الْأُمُورِ وَقَالَ: وَأَمَّا الْبُقْعَةُ الَّتِي لَمْ تُصِبْهَا الشَّمْسُ إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ: فَالْبَحْرُ الَّذِي أَفْرَجَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَلَعَلَّهُ سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى زِيَادَةٌ عَلَى مَا هُنَا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ «١» .
[سورة البقرة (٢): الآيات ٥١ الى ٥٤]
وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤)
قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: وَعَدْنَا بِغَيْرِ أَلْفٍ، وَرَجَّحَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَنْكَرَ واعَدْنا قَالَ: لِأَنَّ الْمُوَاعَدَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مِنَ الْبَشَرِ، فَأَمَّا مِنَ اللَّهِ فَإِنَّمَا هُوَ التفرّد بالوعد، على هذا ما وجدنا القرآن كقوله: وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ «٢» وقوله: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ «٣» وَمِثْلِهِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَمَكِّيٌّ: وَإِنَّمَا قَالُوا هَكَذَا نَظَرًا إِلَى أَصْلِ الْمُفَاعَلَةِ أَنَّهَا تُفِيدُ الِاشْتِرَاكَ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ، وَتَكُونُ مِنْ كُلِّ واحد من المتواعدين ونحوهما، لكنها قَدْ تَأْتِي لِلْوَاحِدِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: دَاوَيْتُ الْعَلِيلَ، وَعَاقَبْتُ اللِّصَّ، وَطَارَقْتُ النَّعْلَ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ: واعَدْنا قَالَ النَّحَّاسُ: وَهِيَ أَجْوَدُ وَأَحْسَنُ وَلَيْسَ قوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا «٤» مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ، لِأَنَّ وَاعَدْنَا مُوسَى إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْمُوَافَاةِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِكَ: مَوْعِدُكَ يَوْمَ الْجُمْعَةَ، وَمَوْعِدُكَ مَوْضِعَ كَذَا وَالْفَصِيحُ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ وَاعَدْتُهُ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: وَاعَدْنَا بِالْأَلِفِ هَاهُنَا جَيِّدٌ، لِأَنَّ الطَّاعَةَ فِي الْقَبُولِ بِمَنْزِلَةِ الْمُوَاعَدَةِ، فَمِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَعْدٌ، وَمِنْ مُوسَى قَبُولٌ. قَوْلُهُ: أَرْبَعِينَ لَيْلَةً قَالَ الزَّجَّاجُ: التَّقْدِيرُ تَمَامُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَهِيَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ ذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّيَالِيَ بِالذِّكْرِ دُونَ الْأَيَّامِ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ أَسْبَقُ مِنَ الْيَوْمِ فَهِيَ قَبْلَهُ فِي الرُّتْبَةِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ أَيْ جَعَلْتُمُ الْعِجْلَ إِلَهًا مِنْ بَعْدِهِ: أَيْ مِنْ بَعْدِ مُضِيِّ مُوسَى إِلَى الطُّورِ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمْ عَدُّوا عِشْرِينَ يَوْمًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. وَقَالُوا: قَدِ اخْتَلَفَ مَوْعِدُهُ فَاتَّخَذُوا الْعِجْلَ، وَهَذَا غَيْرُ بَعِيدٍ مِنْهُمْ، فَقَدْ كَانُوا يَسْلُكُونَ طَرَائِقَ مِنَ التَّعَنُّتِ خَارِجَةً عَنْ قَوَانِينِ الْعَقْلِ مُخَالِفَةً لِمَا يُخَاطَبُونَ بِهِ بَلْ وَيُشَاهِدُونَهُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَلَا يُقَالُ كَيْفَ تَعُدُّونَ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ لهم في الوعد
(١) . الشعراء: ٦٣. (٢) . إبراهيم: ٢٢. (٣) . الأنفال: ٧. (٤) . المائدة: ٩.
1 / 100