La Conquête du Puissant

Al-Shawkani d. 1250 AH
93

La Conquête du Puissant

فتح القدير

Maison d'édition

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤١٤ هـ

Lieu d'édition

بيروت

عَلَى كُلِّ الْمُحْدَثَاتِ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يُفِيدُ هَذَا، وَلَا فِي اشْتِقَاقِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْعَالَمَ أَهْلَ الْعَصْرِ، فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونُوا مُفَضَّلِينَ عَلَى أَهْلِ عُصُورٍ لَا عَلَى أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ، فَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ تَفْضِيلَهُمْ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ الَّذِينَ فِيهِمْ نَبِيُّنَا ﷺ، وَلَا عَلَى مَا بَعْدَهُ مِنَ الْعُصُورِ، وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ يَنْبَغِي اسْتِحْضَارُهُ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعالَمِينَ «١» وَعِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ «٢» وعند قوله: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ «٣» فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْعَالَمِينَ يَدُلُّ عَلَى شُمُولِهِ لِكُلِّ عَالَمٍ. قُلْتُ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِكَوْنِهِمْ أَفْضَلَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ «٤» فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَنَحْوَهَا تَكُونُ مُخَصَّصَةً لِتِلْكَ الْآيَاتِ. وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوا يَوْمًا أَمْرٌ مَعْنَاهُ الْوَعِيدُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّقْوَى. وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَيْ عَذَابُهُ. وَقَوْلُهُ: لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ صِفَةً لِيَوْمٍ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ. قَالَ الْبَصْرِيُّونَ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ تَقْدِيرُهُ فِيهِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هَذَا خَطَأٌ، بَلِ التَّقْدِيرُ: لَا تَجْزِيهِ. لِأَنَّ حَذْفَ الظَّرْفِ لَا يَجُوزُ، وَيَجُوزُ حَذْفُ الضَّمِيرِ وَحْدَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشِ وَالزَّجَّاجِ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ. وَمَعْنَى لَا تَجْزِي: لَا تَكْفِي وَتَقْضِي، يقال: جزى عَنِّي هَذَا الْأَمْرَ يَجْزِي: أَيْ قَضَى، وَاجْتَزَأْتُ بالشيء اجتزاء: أَيِ اكْتَفَيْتُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: فَإِنَّ الْغَدْرَ فِي الْأَقْوَامِ عَارٌ ... وَإِنَّ الْحُرَّ يُجْزَى «٥» بِالْكُرَاعِ وَالْمُرَادُ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَا تَقْضِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا تَكْفِي عَنْهَا، وَمَعْنَى التَّنْكِيرِ التَّحْقِيرُ: أَيْ شَيْئًا يَسِيرًا حَقِيرًا، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ جَزَاءً حَقِيرًا، وَالشَّفَاعَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الشَّفْعِ وَهُوَ الِاثْنَانِ، تَقُولُ اسْتَشْفَعْتُهُ: أَيْ سَأَلْتُهُ أَنْ يَشْفَعَ لِي: أَيْ يَضُمَّ جَاهَهُ إِلَى جَاهِكَ عِنْدَ الْمَشْفُوعِ إِلَيْهِ لِيَصِلَ النَّفْعُ إلى المشفوع له، وسميت الشفعة شفعة: لِأَنَّكَ تَضُمُّ مِلْكَ شَرِيكِكَ إِلَى مِلْكِكَ. وَقَدْ قرأ ابن كثير وأبو عمرو: تقبل بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ مُؤَنَّثَةٌ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الشَّفِيعِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: الْأَحْسَنُ التَّذْكِيرِ. وَضَمِيرُ مِنْهَا يَرْجِعُ إِلَى النَّفْسِ الْمَذْكُورَةِ ثَانِيًا أَيْ إِنْ جَاءَتْ بِشَفَاعَةِ شَفِيعٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى النَّفْسِ الْمَذْكُورَةِ أَوَلًا: أَيْ إِذَا شَفَعَتْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا. وَالْعَدْلُ بفتح العين: الفداء، وبكسرها: المثل. يقال عدل وَعَدِيلٌ، لِلَّذِي مَاثَلَ فِي الْوَزْنِ وَالْقَدْرِ. وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ: أَنَّ فِي الْعَرَبِ مَنْ يَكْسِرُ الْعَيْنَ فِي مَعْنَى الْفِدْيَةِ. وَالنَّصْرُ: الْعَوْنُ، وَالْأَنْصَارُ: الْأَعْوَانُ، وَانْتَصَرَ الرَّجُلُ: انْتَقَمَ، وَالضَّمِيرُ: أَيْ هُمْ يَرْجِعُ إِلَى النُّفُوسِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِالنَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَالنَّفْسُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ. وَقَوْلُهُ: إِذْ نَجَّيْناكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: اذْكُرُوا وَالنَّجَاةُ: النَّجْوَةُ مِنَ الْأَرْضِ، وَهِيَ مَا ارْتَفَعَ مِنْهَا، ثُمَّ سُمِّيَ كُلُّ فَائِزٍ نَاجِيًا. وَآلُ فِرْعَوْنَ: قَوْمُهُ، وَأَصْلُ آلِ: أَهْلٌ بِدَلِيلِ تَصْغِيرِهِ عَلَى أُهَيْلٍ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ يُضَافُ إِلَى ذَوِي الْخَطَرِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: إِنَّمَا يُقَالُ فِي الرَّئِيسِ الْأَعْظَمِ، نَحْوُ آلِ مُحَمَّدٍ. وَلَا يُضَافُ إِلَى الْبُلْدَانِ فلا يقال من آل

(١) . المائدة: ٢٠. (٢) . الدخان: ٣٢. (٣) . آل عمران: ٣٣. (٤) . آل عمران: ١١٠. (٥) . في القرطبي «يجزأ» .

1 / 97