La Conquête du Puissant

Al-Shawkani d. 1250 AH
77

La Conquête du Puissant

فتح القدير

Maison d'édition

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤١٤ هـ

Lieu d'édition

بيروت

عَنْهَا، أَيْ بِسَبَبِهَا، يَعْنِي الشَّجَرَةَ. وَقِيلَ الضَّمِيرُ لِلْجَنَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْفِعْلُ مُضَمَّنٌ مَعْنَى أَبْعَدَهُمَا: أَيْ أَبْعَدَهُمَا عَنِ الْجَنَّةِ. وَقَوْلُهُ: فَأَخْرَجَهُما تَأْكِيدٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى: أَيْ أَزَلَّهُمَا إِنْ كَانَ مَعْنَاهُ زَالَ عَنِ الْمَكَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ كَذَلِكَ فَهُوَ تَأْسِيسٌ، لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مُجَرَّدِ الصَّرْفِ وَالْإِبْعَادِ وَنَحْوِهِمَا، لِأَنَّ الصَّرْفَ عَنِ الشَّجَرَةِ وَالْإِبْعَادَ عَنْهَا قَدْ يَكُونُ مَعَ الْبَقَاءِ فِي الْجَنَّةِ بِخِلَافِ الْإِخْرَاجِ لَهُمَا عَمَّا كَانَا فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ وَالْكَرَامَةِ أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا نَسَبَ ذَلِكَ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ الَّذِي تَوَلَّى إِغْوَاءَ آدَمَ حَتَّى أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي فَعَلَهَا الشَّيْطَانُ فِي إِزْلَالِهِمَا، فَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ ذَلِكَ بِمُشَافَهَةٍ مِنْهُ لَهُمَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ «١» وَالْمُقَاسَمَةُ ظَاهِرُهَا الْمُشَافَهَةُ. وَقِيلَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ إِلَّا مُجَرَّدُ الْوَسْوَسَةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْمَرْوِيِّ عَنِ السَّلَفِ، وَقَوْلُهُ: اهْبِطُوا خِطَابٌ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ، وَخُوطِبَا بِمَا يُخَاطَبُ بِهِ الْجَمْعُ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ أَقَلُّ الْجَمْعِ عِنْدَ الْبَعْضِ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَقِيلَ إِنَّهُ خِطَابٌ لَهُمَا وَلِذُرِّيَّتِهِمَا، لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا أَصْلَ هَذَا النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ جُعِلَا بِمَنْزِلَتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الْوَاقِعَةَ حَالًا مُبَيِّنًا لِلْهَيْئَةِ الثَّابِتَةِ لِلْمَأْمُورِينَ بِالْهُبُوطِ تُفِيدُ ذَلِكَ. وَالْعَدُوُّ خِلَافُ الصَّدِيقِ، وَهُوَ مِنْ عَدَا إِذَا ظَلَمَ وَيُقَالُ ذِئْبٌ عَدَوَانٌ: أَيْ يَعْدُو عَلَى النَّاسِ، وَالْعُدْوَانُ: الظُّلْمُ الصُّرَاحُ وَقِيلَ إِنَّهُ مأخوذ من المجاوزة، يقال عداه: وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، فَإِنَّ مَنْ ظَلَمَ فَقَدْ تَجَاوَزَ. وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ قَوْلِهِ بَعْضُكُمْ بِقَوْلِهِ: عَدُوٌّ مَعَ كَوْنِهِ مُفْرَدًا، لِأَنَّ لَفْظَ بَعْضٍ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مُحْتَمِلًا لِلتَّعَدُّدِ فَهُوَ مُفْرَدٌ، فَرُوعِيَ جَانِبُ اللَّفْظِ وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِالْمُفْرَدِ، وَقَدْ يُرَاعِي الْمَعْنَى فَيُخْبِرُ عَنْهُ بِالْمُتَعَدِّدِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ عَدُوٌّ وَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا فَقَدْ يَقَعُ مَوْقِعَ المتعدد كقوله تعالى: وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ «٢» وَقَوْلِهِ: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ «٣» قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الْعَدُوُّ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ. وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَقَرِّ: مَوْضِعُ الِاسْتِقْرَارِ، وَمِنْهُ أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا «٤» وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ، وَمِنْهُ: إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ «٥» فَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ، وَمِثْلُهَا قَوْلُهُ: جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرارًا «٦» وَالْمَتَاعُ: مَا يُسْتَمْتَعُ بِهِ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَلْبُوسِ وَنَحْوِهَا. وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ: إِلى حِينٍ فَقِيلَ: إِلَى الْمَوْتِ وَقِيلَ: إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. وَأَصْلُ مَعْنَى الْحِينِ فِي اللُّغَةِ: الْوَقْتُ الْبَعِيدُ، وَمِنْهُ: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ «٧» وَالْحِينُ السَّاعَةُ، وَمِنْهُ: أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ «٨» وَالْقِطْعَةُ مِنَ الدَّهْرِ، وَمِنْهُ: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ «٩» أَيْ حَتَّى تَفْنَى آجَالُهُمْ، وَيُطْلَقُ عَلَى السَّنَةِ وَقِيلَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَمِنْهُ: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ «١٠» وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَسَاءِ وَالصَّبَاحِ، وَمِنْهُ: حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ «١١» وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْحِينُ حِينَانِ: حِينٌ لَا يُوقَفُ عَلَى حَدِّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحِينَ الْآخَرَ وَاخْتِلَافُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَقَامَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْحِينُ الْمَجْهُولُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَالْحِينُ الْمَعْلُومُ سَنَةٌ. وَمَعْنَى تَلَقِّي آدَمَ لِلْكَلِمَاتِ: أَخْذُهُ لَهَا وَقَبُولُهُ لِمَا فِيهَا وَعَمَلُهُ بِهَا وقبل فَهْمُهُ لَهَا وَفَطَانَتُهُ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ. وَأَصْلُ مَعْنَى التَّلَقِّي الِاسْتِقْبَالُ: أَيِ اسْتَقْبَلَ الْكَلِمَاتِ الْمُوَحَاةَ إِلَيْهِ وَمَنْ قَرَأَ بِنَصْبِ آدَمُ جَعَلَ مَعْنَاهُ اسْتَقْبَلَتْهُ الكلمات. وقيل إن معنى تلقّى:

(١) . الأعراف: ٢١. (٢) . الكهف: ٥٠. (٣) . المنافقون: ٤. (٤) . الفرقان: ٢٤. (٥) . القيامة: ١٢. (٦) . غافر: ٦٤. (٧) . الإنسان: ١. (٨) . الزمر: ٥٨. (٩) . المؤمنون: ٥٤. (١٠) . إبراهيم: ٢٥. [.....] (١١) الروم: ١٧.

1 / 81