La Conquête du Puissant
فتح القدير
Maison d'édition
دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤١٤ هـ
Lieu d'édition
بيروت
يُعْطِيهِ فَضْلَ تَوْكِيدٍ وَجَعَلَ تَقْدِيرَ سِيبَوَيْهِ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ. وَالضَّمِيرُ فِي أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى المثل. والْحَقُّ الثَّابِتُ، وَهُوَ الْمُقَابِلُ لِلْبَاطِلِ، وَالْحَقُّ وَاحِدُ الْحُقُوقِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي مَاذَا فَقِيلَ: هِيَ بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ وَاحِدٍ بِمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ أَرَادَ اللَّهُ، فَتَكُونُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَرَادَ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:
وَهُوَ الْجَيِّدُ. وَقِيلَ «مَا» اسْمٌ تَامٌّ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بالابتداء، و«ذا» بِمَعْنَى الَّذِي، وَهُوَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ مَعَ صِلَتِهِ، وَجَوَابُهُ يَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ مَنْصُوبًا وَعَلَى الثَّانِي مَرْفُوعًا. وَالْإِرَادَةُ: نَقِيضُ الْكَرَاهَةِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إِطْلَاقُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَ(مَثَلًا) قَالَ ثَعْلَبٌ: مَنْصُوبٌ عَلَى الْقَطْعِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَرَادَ مَثَلًا. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ الَّذِي وَقَعَ مَوْقِعَ الْحَالِ، وَهَذَا أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ:
يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا هُوَ كَالتَّفْسِيرِ لِلْجُمْلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ الْمُصَدَّرَتَيْنِ بِأَمَّا، فَهُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ. وَقِيلَ: هُوَ حِكَايَةٌ لِقَوْلِ الْكَافِرِينَ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: مَا مُرَادُ اللَّهِ بِهَذَا الْمَثَلِ الَّذِي يُفَرِّقُ بِهِ النَّاسَ إِلَى ضَلَالَةٍ وَإِلَى هُدًى؟ وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْكَافِرِينَ لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ شَيْئًا مِنَ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَعْتَرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الضَّلَالَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ مِنْ كَلَامِ الله سبحانه. وقد أطال المتكلمون الخصام في تفسير الضلال المذكور هنا وفي نسبته إلى اللَّهِ سُبْحَانَهُ. وَقَدْ نَقَّحَ الْبَحْثَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ «مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَنْقِيحًا نَفِيسًا، وُجَوَّدَهُ وَطَوَّلَهُ وَأَوْضَحَ فُرُوعَهُ وَأُصُولَهُ، فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ جِدًّا. وَأَمَّا صَاحِبُ الْكَشَّافِ فَقَدِ اعْتَمَدَ هَاهُنَا عَلَى عَصَاهُ الَّتِي يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا فِي تَفْسِيرِهِ، فَجَعَلَ إِسْنَادَ الْإِضْلَالِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِكَوْنِهِ سَبَبًا، فَهُوَ مِنَ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ إِلَى مُلَابِسٍ لِلْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَهْلِ الْحَقِّ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: يُضِلُّ يَخْذُلُ. وَالْفِسْقُ: الْخُرُوجُ عَنِ الشَّيْءِ، يُقَالُ فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ: إِذَا خَرَجَتْ عَنْ قِشْرِهَا، وَالْفَأْرَةُ مِنْ جُحْرِهَا، ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْفَرَّاءُ.
وَقَدِ اسْتَشْهَدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ «الزَّاهِرِ» لَهُ عَلَى مَعْنَى الْفِسْقِ بِقَوْلِ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ:
يَهْوِينَ «١» فِي نَجْدٍ وَغَوْرًا غَائِرَا ... فَوَاسِقًا عَنْ قَصْدِهَا جَوَائِرَا
وَقَدْ زَعَمَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ فِي كلام الجاهلية ولا في شعرهم فاسق، وَهَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ، فَقَدْ حَكَى ذَلِكَ عَنِ الْعَرَبِ وَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، كَابْنِ فَارِسٍ وَالْجَوْهَرِيِّ وَابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «خَمْسُ فَوَاسِقَ» . الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ: الْفِسْقُ الْخُرُوجُ عَنِ الْقَصْدِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَجُزَ بَيْتِ رُؤْبَةَ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْفَاسِقُ فِي الشَّرِيعَةِ: الْخَارِجُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالْفِسْقُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ: الْخُرُوجُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ ﷿، فَقَدْ يَقَعُ عَلَى مَنْ خَرَجَ بِكُفْرٍ وَعَلَى مَنْ خَرَجَ بِعِصْيَانٍ. انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ أَنْسَبُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَلَا وَجْهَ لِقَصْرِهِ عَلَى بَعْضِ الْخَارِجِينَ دُونَ بَعْضٍ. قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْقِبْلَةِ هَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ؟ فَعِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَعِنْدَ الْخَوَارِجِ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا مؤمن ولا كافر، واحتج المخالف
(١) . في القرطبي «يذهبن» .
1 / 68