199

La Conquête du Puissant

فتح القدير

Maison d'édition

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤١٤ هـ

Lieu d'édition

بيروت

الحسن: عذابه أن يرد الدية فقط، ويبقى إثمه إلى عذاب الآخرة. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَمْرُهُ إِلَى الإمام يصنع فيه ما رأى. قوله: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ أَيْ: لَكُمْ فِي هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لَكُمْ حَيَاةٌ، لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا إِذَا قَتَلَ آخَرَ كَفَّ عَنِ الْقَتْلِ، وَانْزَجَرَ عَنِ التَّسَرُّعِ إِلَيْهِ وَالْوُقُوعِ فِيهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحَيَاةِ لِلنُّفُوسِ الْإِنْسَانِيَّةِ. وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الْبَلَاغَةِ بَلِيغٌ، وَجِنْسٌ مِنَ الْفَصَاحَةِ رَفِيعٌ، فَإِنَّهُ جعل القصاص الذي هو مات حياة باعتبار ما يؤول إِلَيْهِ مِنَ ارْتِدَاعِ النَّاسِ عَنْ قَتْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، إِبْقَاءً عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَاسْتِدَامَةً لِحَيَاتِهِمْ وَجَعَلَ هَذَا الْخِطَابَ مُوَجَّهًا إِلَى أُولِي الْأَلْبَابِ. لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ فِي الْعَوَاقِبِ وَيَتَحَامَوْنَ مَا فِيهِ الضَّرَرُ الْآجِلُ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُصَابًا بِالْحُمْقِ وَالطَّيْشِ وَالْخِفَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْظُرُ عِنْدَ سَوْرَةِ غَضَبهِ وَغَلَيَانِ مَرَاجِلِ طَيْشِهِ إِلَى عَاقِبَةٍ وَلَا يُفَكِّرُ فِي أَمْرِ مُسْتَقْبَلٍ، كَمَا قَالَ بَعْضُ فُتَّاكِهِمْ: سَأَغْسِلُ عَنِّي الْعَارَ بِالسَّيْفِ جَالِبًا ... عَلَيَّ قَضَاءُ اللَّهِ مَا كَانَ جَالِبًا ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحَانَهُ هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ بِقَوْلِهِ: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيْ: تَتَحَامَوْنَ الْقَتْلَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْقِصَاصِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلتَّقْوَى. وَقَرَأَ أَبُو الْجَوْزَاءِ: وَلَكُمْ فِي الْقَصَصِ حَيَاةٌ قِيلَ: أَرَادَ بِالْقَصَصِ الْقُرْآنَ، أَيْ: لَكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ الْقِصَاصَ حَيَاةٌ، أَيْ: نَجَاةٌ، وَقِيلَ: أَرَادَ حَيَاةَ الْقُلُوبِ وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْقِصَاصِ، وَالْكُلُّ ضَعِيفٌ، وَالْقِرَاءَةُ بِهِ مُنْكَرَةٌ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِنَّ حَيَّيْنِ مِنَ الْعَرَبِ اقْتَتَلُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِقَلِيلٍ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ قَتْلٌ وَجِرَاحَاتٌ حَتَّى قَتَلُوا الْعَبِيدَ وَالنِّسَاءَ وَلَمْ يَأْخُذْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى أَسْلَمُوا، فَكَانَ أَحَدُ الْحَيَّيْنِ يَتَطَاوَلُ عَلَى الْآخَرِ في العدة والأموال، فحلفوا ألّا يَرْضَوْا حَتَّى يُقْتَلَ بِالْعَبْدِ مِنَّا الْحُرُّ مِنْهُمْ، وَبِالْمَرْأَةِ مِنَّا الرَّجُلُ مِنْهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانُوا لَا يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ بِالْمَرْأَةِ، وَلَكِنْ يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ بِالرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةَ بِالْمَرْأَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ فَجَعَلَ الْأَحْرَارَ فِي الْقِصَاصِ سَوَاءً فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْعَمْدِ رِجَالُهُمْ وَنِسَاءُهُمْ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَجَعَلَ الْعَبِيدَ مُسْتَوِينَ فِي الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ رِجَالُهُمْ وَنِسَاءُهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ قِتَالٌ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ الطَّوْلُ فَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا الْفَضْلَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَنَسَخَتْهَا النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ قَالَ: هُوَ الْعَمْدُ رَضِيَ أَهْلُهُ بِالْعَفْوِ. فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ أَمَرَ بِهِ الطَّالِبَ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ مِنَ الْقَابِلِ، قَالَ: يُؤَدِّي الْمَطْلُوبَ بِإِحْسَانٍ. ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ مِمَّا كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ وَلَمْ تَكُنِ الدِّيَةُ فِيهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى إِلَى قَوْلِهِ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَالْعَفْوُ: أَنْ تَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ

1 / 203