قلت : ويصح أن يكون في الكلام التفات من التكلم للغيبة ، والأصل وأنا أحبك ، كما في قوله تعالى : [وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ] (¬2) والمشهور عند الجمهور أن الالتفات هو التعبير عنمعنى بطريق من الطرق الثلاثة بعد التعبير عنه بطريق آخر منها ، بشرطأن يكون التعبير الثاني على خلاف ما يقتضيه الظاهر ، ويترقبه السامع ؛ ليخرج نحو أنا زيد ، وأنت عمرو ، ونحن اللذون صبحوا / الصباحا (¬3) ، والنكتة فيه أن 3 أالكلام إذا نقل من أسلوب إلى آخر كانأحسن ، وأشهى للقلب ، وألذ للسمع ، وأكثر إصغاء إليه ؛ لما فيه من التنقل ، ولا يكون في جملة ، بل في جملتين ، كما أفاد السيوطي ، فإن قلت : ما هنا هو على طريق السكاكي ، أو غيره ، قلت :هوظاهر على طريق السكاكي ، ويصح أنيكون على كلام الجمهور تنزيلا للكلامينمنزلة الكلام الواحد ، إذ المقصود منهما الإخبار بثبوت المحبة ، فإن قلت : ما النكتة في العدول من التكلم إلى الغيبة ؟ قلت : ليكون في الكلام نوع بديعي ، وهوما تقدم ، وللإشارة إلى أنه لا ينبغي للمتكلم الإتيان بلفظأنا ؛ لإشعارها بالعظمة ، وقدأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من قال بعدما استأذن عليه وقال من ؟ فقال : أنا ، فجعل عليه الصلاة والسلام يقول : ( أنا أنا ) إنكارا عليه (¬1) ، فإن قلت : قد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر) (¬2) / قلت 3ب الإنكار إنما كان خوفا من تسويل الشيطان له بالكبر ونحوه ، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من ذلك ، وأيضا هو مأمور بالتحدث بالنعمة ، قال الله تعالى :[ وأما بنعمة ربك فحدث ] (¬3) ، فأخبر أنه في نفسه عظيم ، وذلك بتعظيم الله له ، وفيه إشارة إلى أن قول المرء : أنا ، ليس بحرام ، فقد ظهر لك رقة الإلتفات ، فلا عبرة بقول من نفاه ، ولا التفات .
وقد ارتضى ذلك جميع المشايخ الأعلام ، وهوبمكان من اللطف خلافا لما سرى إلى بعض الأقوام (¬4) ، وأنه لا يتعين الوجه الأول ، والله أعلم ، وعليه المعول .
Page 3