La conquête arabe de l'Égypte
فتح العرب لمصر
Genres
28
وكان كثير منهم يقاتلون مستميتين في سبيل دولة الروم ودين المسيح،
29
غير أنه قد كان منهم من آثر علاقة الجنس، أو كان غير حريص على دين لم يفقه فيه، في حين أنه قد كانت منهم طائفة انحازت على حذر، فلم تكن مع هؤلاء ولا مع أولئك، متربصة حتى يتبين لها لمن الغلبة، فتكون مع الظافر وهي آمنة. ومهما يكن من الأمر فقد كانت صلة الجنس تجعل رجحان الميل إلى المسلمين.
ولعلنا نجد عذرا إذا نحن سقنا بعد ذلك رأيا آخر نمهد به مجملين؛ وذلك أن فوز المسلمين كان له سبب آخر، ألا وهو ما حل بالمسيحيين من الخذلان والوهن، وهو يعدل في شدته ما كان عند المسلمين من إيمان وقوة. قال «قدرينوس»: «على حين كانت الكنيسة تحتوشها الملوك ومن لا يخشون الله من القسوس، خرج من الصحراء عملاق ليعاقبنا على ذنوبنا.» هذه كلماته التي ذكر فيها نشأة الإسلام، وهي كلمات قليلة، ولكنها تدل على أن المسيحيين كانوا يشعرون أن محمدا كان رسولا من الله، أو هو على الأقل سوط من الله أرسله عليهم، وهذا شعور يظهر على لسان كثير ممن كتب من المسيحيين في ذلك الوقت، أمثال «سبيوس» الأرمني.
30
وإنه لأمر معروف أنه إذا نزلت بقوم نازلة من هزيمة قالوا إن ما أصابهم كان عقابا على ذنوبهم. وإن من فكر وجد أن هذا القول لم يخطئ الصواب ولم يبعد عن الحقيقة، ولكن يلوح لنا أن في قول هؤلاء الكتاب شيئا من الحزن المبرح أكثر مما نراه في مثل هذه الأحوال؛ فإنهم يحسون أن النصارى قد وزنوا والعرب في كفتين، فرجح العرب وشالت كفتهم، وأن المسيحيين قد أصبحوا غير جديرين بأن يكونوا دون غيرهم هداة الناس إلى سبيل الله. وليس من العسير أن ندرك كيف قوي الإسلام بما وقع في قلوب المسيحيين من هذا الخوف وتوقع البلاء؛ فقد كان قسوسهم وجندهم في ذلك سواء، وقد كان «لوقا» الذي أسلم مدينة حلب للعرب ممتلئ القلب بما كان يبشر به قسيس من أنه كان محتوما أن يفتح العرب البلاد، وكان «بازل» الذي أسلم مدينة صور قد أخذ عن الراهب «بحيرى» ما جعله يترك الروم ويوصي أهل الدولة الرومانية
31
بدين الإسلام. وهاتان الروايتان قد جاءتا عن طريق العرب ، وقد تكونان هما وأمثالهما أقاصيص وهمية لا حقيقة لها، ولكنها تدل على أمر واحد لا شك فيه ولا يكذبه التاريخ، وذلك أنه قد شاعت نبوءة بين بعض المسيحيين فارتجفت لها أفئدتهم، وهي أن الإسلام حق، وأن نصره محقق.
الفصل الثاني عشر
Page inconnue