قلنا ما الحاجة بابي الطيب إلى أن يجعل الخبر معرفة والاسم نكرة مع امتناع النحويين من إجازة ذلك إلا في الشاذ النادر. ومعنى البيت يحصل من غير هذا التمحل. وليس برح هاهنا من أخوات كان، مثل ما برح زيد مصليًا. وإنما هو من برح أي زال. تقول: برح الخفاء أي زال. وما برحت من المكان أي ما زلت تقول: فلا برحتني روضة، فلا فارقتني.
هذا ما فسره الشيخ أبو الفتح. على أن الأولى عندي أن يكون يعني إذا بعدتم عني وحيل بيني وبينكم فلا أصل إلى شيء منكم إلا إلى شم الروح، وتشهي النسيم الهاب من الرياض بنسيمكم فلا فارقتني روضة وقبول يهيج ذلك النسيم لي لأشمه. (وهذا المذهب متعارف عندهم) في الرضى بقليل الراحة من الشوق إذا لم يصلوا إلى الحبيب كقول الهذلي:
ويُقرّ عيني وهي نازحة ... ما لا يُقر بعين ذي الحلم
أني أرى وأظن أن سترى ... وضح النهار وعالي النجم
وقول القائل:
إذا هب علوي الرياح رأيتني ... كأني لعلوي الرياح نسيب
فأما أن تكون ريح أبي الطيب تصل إلى الظاعنين الذين تشوقهم فما المعنى قول الله تعالى: فلما فصلت العير قال أبوهم: إني لأجد ريح يوسف