Fath al-Majeed Sharh Kitab al-Tawheed - Hatiba
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - حطيبة
Genres
شرح قوله تعالى: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا)
قال تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ﴾ [الأنعام:١٥١] وهذه الآية كانوا يسمونها الوصايا العشر، يعني: عشر وصايا ذكرها الله ﷾ في هذه الآية يقول: «قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم» أي: ما وصاكم بتركه من الإشراك بالله ﷾، ثم ذكر أنه أمركم بالإحسان إلى الوالدين قال: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ﴾ [الأنعام:١٥١] وكان هذا شائعًا في الجاهلية وخاصة قتل البنات، فقال الله ﷿: «ولا تقتلوا أولادكم» والولد يطلق على الذكور والإناث، ولذلك نجد في آية الكلالة: ﴿إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾ [النساء:١٧٦] أي: ليس له أبناء ذكور ولا إناث، فولد يدخل فيها الذكور ويدخل فيها الإناث، وكان الشائع عندهم قتل البنات وكانوا يزعمون أن البنت إذا كبرت وتزوجها الرجل فلعلها ولعلها تقع في الزنى ولعلها تفعل كذا فكانوا يقتلون البنات، ولكن الله ﷿ فضحهم فيما يقولونه وأن ما يبطنونه هو الخوف من الفقر، أما الذكر فإنه حين يكبر سيذهب يقاتل معه ويسرق له ويغتصب معه، وسيفعل معه الذي يريده فيتركه من أجل ذلك، أما البنت لن تعطيه شيئًا، فكان يدعي أنها سبب فقره ونسي أن الله هو الرزاق سبحانه فكانوا يئدون البنات وكانوا غاية في القسوة، ومن ذلك ما جاء في قصة الرجل الذي أخذ ابنته وذهب ليدفنها في التراب وكان عمرها سنتين، أثناء ما كان يحفر لها قبرها كانت تمسح التراب عن لحيته ووجهه ورغم ذلك يأخذها ويضعها في القبر ويدفنها، ثم يرجع وكأنه عمل شيئًا كبيرًا حيث قتل ابنته، فأي قسوة هذه القسوة؟! وكانوا على ذلك حتى جاء الإسلام وهذب قلوب هؤلاء الناس وعقولهم، لقد كان من ينظر في أفعالهم يراهم مجانين لا يفهمون، فالبعض منهم كان يعبد تمثالًا يصنعه بيده، ثم يعبده من دون الله ﷾، فأين عقل هذا الإنسان الذي جعله يصنع التمثال ثم بعد ذلك يعبده من دون الله؟! والآخر يصنع تمثالًا من العجوة فإذا جاع أكله وصنع غيره، فأين عقل هذا الإنسان؟ والثالث: يريد أن يعبد شيئًا وهو في السفر فيصعب عليه حمل تمثاله الذي صنعه في البيت، فإذا بلغ الصحراء مع غنمه فبدل أن يصنع التمثال من ماء وتراب يصنعه من لبن ويعبده من دون الله وهو مسافر إلى أن يرجع للصنم الذي له في البيت فيعبده من دون الله، هؤلاء هم أهل الجاهلية وهذه عبادتهم.
قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ [الإسراء:٣١] أي: سنرزق هؤلاء ونرزقكم، فلا تقتل الطفل خشية أن يطعم معك.
وقد جاء في حديث النبي ﷺ في الصحيحين عن ابن مسعود ﵁ قال: قلت (يا رسول الله! أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك) أعظم الذنوب أن تعبد غير الله، قال: (قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك).
فهو هنا أيضًا ﷺ يظهر ما في قلب هذا الذي يقتل ابنه وهو خشية أن يطعم معه فيقل الأكل الذي في البيت وينسى أن الله هو الرزاق الكريم سبحانه قال: (قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك) والزنى كله حرام، لكن من أفحش الزنى أن يزني بحليلة جاره الذي استأمنه على بيته فيقع في هذه الجريمة- والعياذ بالله- قال: (وتلى رسول الله ﷺ هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان:٦٨ - ٧٠]») والمقصد من الحديث الأمر بأن لا تشرك بالله، ولا تقتل ولدك خشية أن يطعم معك.
وجاء في حديث آخر في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعًا وهات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) فحرم أن تعق أمك أو تقتل ابنتك، (ومنعًا وهات) يعني: كثرة الكلام (وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال) أي: كره أن تظل تسأل دائمًا، فتكون حياتك على هذا المنوال، بل تعلم العلم ولا تكثر من السؤال فإن هذا كرهه الله ﷾ لكم، (وكره لكم قيل وقال) أي: الكلام الكثير.
وجاء في حديث ابن مسعود في الصحيحين أيضًا قال النبي ﷺ: (لا أحد أغير من الله فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله فلذلك مدح نفسه) ﷾.
قال: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام:١٥١] يعني: هذه الأشياء التي حرمها عليكم بإمكانكم فهمها والاستجابة لها وقد بدأ الله في هذه الآيات بذكر المناهي، ثم قال: ﴿وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام:١٥٢]، أي: لا تقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ ثم أعطه ماله وبعد أن تعطيه ماله فلك تتعامل معه بعد ذلك.
﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [الأنعام:١٥٢] فأمر أن توفوا الكيل فإذا كلتم فوفوا، وإذا وزنتم فوفوا: ﴿لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [الأنعام:١٥٢] لا يكلفكم ما لا تطيقون، فأمر الله ﷾ بإيفاء الكيل والميزان، وأخبر أنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فالإنسان مطلوب منه قدر المستطاع وما لا يقدر عليه لا يكلفه الله ﷿ إياه قال: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ [الأنعام:١٥٢]، أي: قل العدل ولو على نفسك ولو على الوالدين والأقربين، ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام:١٥٢] أي: تتذكرون عهد الله وميثاقه فتفعلون ما أمر وتجتنبون ما نهى وزجر.
قال سبحانه: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ [الأنعام:١٥٣]، فبين لكم الصراط الذي هو شرعه بهذه الآيات وبغيرها، ووضح الدين وبين معالم الشريعة، وقال: هذا صراط أي: طريق مستقيم أوله ما أنت عليه الآن في الدنيا وآخره إلى جنة الله ﷾، قال: ﴿فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام:١٥٣] روى الإمام أحمد عن ابن مسعود ﵁ قال: (خط رسول الله ﷺ خطًا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيم، ثم خط خطوطًا عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثم قال: وهذه سبل ليس منها سبيل إلا وعليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام:١٥٣])، فدل الحديث على أنه كان يعلم الناس حتى بالإشارة وبالرسم، فرسم لهم خطًا أمامهم وقال: (هذا صراط الله مستقيم) ورسم عن يمينه خطوطًا وعن شماله خطوطًا وأخبر أن هذه خطوط الشياطين كل سبيل منها عليه شيطان يدعو الناس إليه ثم قرأ الآية: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ [الأنعام:١٥٣]، فإذًا لا تنحرف عن صراط الله ﷿، وسر على طريقه المستقيم، قال: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام:١٥١].
يقول ابن القيم ﵀: ولنذكر في الصراط المستقيم قولًا وجيزًا، فإن الناس قد تنوعت عباراتهم فقال: وحقيقته شيء واحد وهو طريق الله الذي نصبه لعباده موصلًا لهم إليه، ولا طريق إليه سواه بل الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا طريقه الذي نصبه على ألسن رسله وجعله موصلًا لعبادة الله وهو إفراده بالعبادة وإفراد رسله بالطاعة، فهنا طريق الله سبحانه هو تجريد التوحيد لله رب العالمين سبحانه، تعبد الله وتطيع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
قال: ونكتة ذلك أن تحبه بقلبك -أي: أن تحب الله بقلبك- وترضيه بجهدك كله فلا يكون بقلبك موضع إلا معمورًا بحبه، ولا يكون لك إرادة إلا متعلقة بمرضاته، فالأول يحصل بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، والثاني: بتحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
يقصد أنك تصل إلى طريق الله سبحانه بهذه الكلمة: لا إله إلا الله محمد رسول الله وتحب الله سبحانه، وتحب طريق الله، وتعرف هذه الطريق عن طريق الرسول صلوات الله وسلامه عليه فهو المبين، فمبناها على العبادة التي ركناها الإخلاص والمتابعة، الإخلاص لله بأن تقول: لا إله إلا الله وتعبده وحده لا شريك له، والمتابعة للنبي ﷺ أن تتعلم منه كيف تعبد الله.
قال ابن مسعود ﵁: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد ﷺ التي عليها خاتمه فليقرأ قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام:١٥١] إلى آخر هذه الآية، يعني: هذه وصية النبي ﷺ التي عليها خاتم النبي ﷺ، وإن كان هذا إسناده ضعيفًا عن ابن مسعود ﵁ فقد رواه الترمذي وقال: حسن غريب لكن في إسناده رجل
2 / 3