Fath al-'Allam in the Study of Hadiths of Bulugh al-Maram Vol 4
فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط ٤
Maison d'édition
دار العاصمة للنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الرابعة
Année de publication
١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م
Lieu d'édition
صنعاء - اليمن
Genres
فتح العلام
في دراسة أحاديث بلوغ المرام
حديثيا وفقهيا مع ذكر بعض المسائل الملحقة
تأليف
أبي عبد الله محمد بن علي بن حزام الفضلي البعداني
في دار الحديث بدماج
الجزء الأول
الطهارة
الْمِيَاهِ - الآنِيَةِ - إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَبَيَانِهَا - الوُضُوءِ - المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ - نَوَاقِضِ الوُضُوءِ - آدَابِ قَضَاءِ الحَاجَةِ - الاغْتِسَالِ وَحُكْمِ الجُنُبِ - التَّيَمُّمِ - الحَيْضِ
1 / 3
جميع الحقوق محفوظة للناشر
الطبعة الرابعة
منقحة ومزيدة
١٤٤٠ - هـ - ٢٠١٩ م
الناشر
دار العاصمة للنشر والتوزيع
اليمن - صنعاء - شارع تعز جوار جامع الخير
ت (٠١٦٣٣٨٠٦) سيار (٧٧٧٧١١٤٢٥)
فرع دار العاصمة - تعز
سيار (٧٧٢٩١١٧٢٢)
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الْمُقَدِّمَة
الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، نحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، نحمده ﷾ على ما هدانا وعلمنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وأصلي وأسلم على رسوله المصطفى ونبيه المجتبى، إمام الأتقياء، وخاتم الأنبياء، وسيد المرسلين، وخليل رب العالمين، محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» متفق عليه من حديث معاوية ﵁، وأخرجه الترمذي من حديث ابن عباس ﵄.
وإن الفقه في الدين يتحقق بحفظ القرآن والسنة ومعرفة معانيهما، وما أحسنَ قول القائل -وهو منسوب إلى الإمام الشافعي-:
كل العلوم سوى القرآن مشغلة ... إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ... وما سوى ذاك وسواس الشياطين
1 / 5
وما أحسن قول الآخر:
العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلمُ نصبُك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذرًا من التمثيل والتشبيه
وقد اعتنى علماؤنا ﵏ في تسهيل الفقه الشرعي، فمنهم من يشرح كتابًا، ومنهم من يجمع المسائل الفقهية المشهورة في كتاب ويذكرها نثرًا، ومنهم من يذكرها نظمًا، ومنهم من يجمع الأحاديث المتعلقة بالأحكام، ويبوب على ما فيها من الفقه الشرعي.
وعلى رأس هؤلاء الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في «صحيحه»، وكذلك الإمام أبوداود والترمذي والنسائي وابن خزيمة والبيهقي وآخرون من أئمة الفقه والحديث، وقد ذكر هؤلاء ﵏ الأحاديث بالأسانيد، واسترسلوا في كتبهم ولم يقتصروا على الأحاديث المتعلقة بالأحكام، بل ذكروا أحاديث تتعلق بالفضائل والسير والزهد والرقائق والآداب وغير ذلك. وكل ذلك من الفقه في الدين بمفهومه الأوسع.
ثم أقبلت طائفة من العلماء فجمعوا الأحاديث المتعلقة بالأحكام بدون أسانيد؛ لتسهيل حفظها ودراستها، ورتبوها على الأبواب الفقهية ترتيبًا متناسبًا.
ومن هؤلاء العلماء: الإمام الحافظ أبومحمد عبدالحق بن عبدالرحمن الأشبيلي في كتابيه «الأحكام الوسطى» و«الأحكام الكبرى»، وكذلك الإمام الحافظ
1 / 6
عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي في كتابيه «عمدة الأحكام» الكبرى والصغرى، وكذلك الإمام الحافظ مجد الدين أبوالبركات عبدالسلام ابن تيمية الحراني في كتابه «المنتقى في الأحكام الشرعية من كلام خير البرية»، وكذلك الإمام محب الدين الطبري أحمد بن عبدالله في كتابه «غاية الإحكام في أحاديث الأحكام»، وكذلك الإمام أبوالفتح محمد بن علي بن وهب المشهور بابن دقيق العيد في كتابه «الإلمام في أحاديث الأحكام»، وكذلك الحافظ أبوعبدالله محمد بن أحمد بن عبدالهادي الحنبلي في كتابه «المحرر في الحديث»، وكذلك الحافظ أبوالفضل عبدالرحيم بن الحسين العراقي في كتابه «تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد».
ومن هؤلاء الأئمة والعلماء الإمام الحافظ شهاب الدين أبوالفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ﵀ في كتابه القيم الذي بين أيدينا «بلوغ المرام من أدلة الأحكام» فذكر في كتابه هذا أشهر الأحاديث المتعلقة بالأحكام مبينًا صحتها وضعفها، وذكر بعض كلام أئمة العلل على الأحاديث المعلة، واستفاد ممن قبله لاسيما فيما يظهر لي من «المحرر» لابن عبدالهادي، وزاد عليهم.
وكتاب الحافظ ﵀ «بلوغ المرام» من أجود ما أُلِّفَ في هذا الباب، وقد قال عنه صاحبه: (فهذا مُختصَرٌ يشتملُ على أُصولِ الأَدلَّةِ الحديثيةِ للأَحْكَامِ الشَّرعيَّةِ، حَرَّرْتُهُ تحريرًا بالِغًا؛ ليصيرَ مَنْ يحفظُهُ بَيْنِ أَقْرَانِهِ نابغًا، ويستعينَ به الطالبُ المبتدِي، وَلَا يستغنِي عنه الرَّاغِبُ المنتهِي).
ولجودة هذا الكتاب فقد اعتنى العلماء بشرحه وتحقيقه، ومن أشهر
1 / 7
شروحه: «البدر التمام في شرح بلوغ المرام» للقاضي حسين بن محمد المغربي، و«سبل السلام في شرح أحاديث بلوغ المرام» للعلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني، وكتابه يعتبر تهذيبًا لكتاب المغربي، فقد اختصر بعضه وزاد عليه بعضًا.
ومن توفيق الله لي -وله الحمد والمنة- أن قمت بدراسة أحاديث «بلوغ المرام» حديثيًّا وفقهيًّا أبحث عن الحديث وأحكم عليه بما يسر الله لنا من علم، مستفيدًا من كتب التخاريج والعلل وغيرها، ثم أدرس المسائل الفقهية المتعلقة بالحديث، وربما قدمت أو أخرت بعض المسائل الفقهية المشابهة أو المتعلقة بالموضوع لتتميم الفائدة، وسميت هذا الكتاب «فتح العلام بدراسة أحاديث بلوغ المرام».
وكان المقصود من ذلك هو التفقه في دين الله ﷿، ومعرفة الأحكام الشرعية؛ لنعبد الله ﷿ على بصيرة.
ومن فضل الله ﷿ عليَّ -وله الحمد لا أُحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه- أني جعلت هذه الدراسة لأحاديث «بلوغ المرام» مصحوبة بتدريس هذا الكتاب إخواني طلبة العلم في دار الحديث بدماج حرسها الله من كل سوء ومكروه، ورحم الله مؤسسها، وحفظ الله وسدد القائم عليها من بعده، ومن تعاون معه.
ومن فضل الله عزوجل عليَّ أيضًا أني كنت مع تدريسي لهذا الكتاب أقيِّدُ المسائل العلمية في أوراقي حتى أخرجها في كتابٍ ينفع الله ﷿ به؛ فكان ذلك بحمد الله وتوفيقه أحمده حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه.
1 / 8
كيفية عملي في الدراسة الحديثية:
• أما إذا كان الحديث في «الصحيحين» أو أحدهما، فإني أعزوه إلى موضعه. وإن كان الحديث مكررًا عزوته إلى الموضع الذي يكون مماثلًا للفظ الكتاب أو مقاربًا له، وإلا عزوت إلى الرقم الأول، وربما بينت بعض الكلمات المخالفة لما في المصدر إذا احتيج إلى ذلك، وربما زدت بعض الألفاظ في التخريج إن كان في ذلك فائدة.
• وأما إذا كان الحديث خارج «الصحيحين»؛ فإني أعزوه إلى مصادره وإن كان اللفظ لأحدهما بينته، وإن كانت الألفاظ متقاربة لم أبين ذلك؛ لأن هذا حاصل غالبًا إلا إن احتيج إلى ذلك.
• أحكم على الحديث بما يستحقه مستفيدًا في ذلك من كلام الحفاظ وأئمة العلل، ومستفيدًا أيضًا في ذلك من كتب التخاريج، وقد تركت الحكم على الأحاديث التي في «الصحيحين»؛ لأنها أحاديث صحيحة قد تُلُقِّيَتْ بالقبول إلا أحاديث يسيرة تكلم عليها الحفاظ والأئمة.
• استفدت في التخريج من بعض التخريجات المعاصرة كتخريج أحاديث «مسند أحمد»، و«المسند الجامع» و«الصحيحة» و«الإرواء» وبعض التخريجات على «البلوغ»، ولكني بحمد الله أرجع إلى مصادر الحديث غير مقلد لهم.
• سلكت في تخريج الأحاديث مسلكًا متوسطًا يستفيد منه الباحث وغيرُ الباحث إن شاء الله تعالى.
1 / 9
هذا والتقصير حاصل من الإنسان مهما اجتهد، والخطأ لازم له، فمن وقف على فائدة أو خطأ فليفدنا بذلك وجزاه الله خير الجزاء.
كيفية عملي في الدراسة الفقهية:
١) أبين أولًا معاني المفردات الغريبة، وقد اخترت أن أجعل ذلك في الحاشية؛ لعدم كثرة ذلك.
٢) أذكر تعريف الكتاب، والباب قبل دراسة الأحاديث الواردة فيه.
٣) إن كان هنالك مسائل فقهية مهمة ينبغي معرفتها قبل دراسة الأحاديث بدأت بذكرها، ثم أشرع في دراسة الأحاديث.
٤) أذكر المسائل المستفادة من الأحاديث معتنيًا بالمسائل التي تتعلق بالباب.
٥) إن كانت المسألة مما أجمع عليه بينت من نقل في ذلك الإجماع من أهل العلم، وإن كان الإجماع لم يثبت بينت من خالف ذلك من أهل العلم، مع بيان القول الصحيح في المسألة.
٦) إن كانت المسألة مما اختلف فيها الفقهاء؛ فإني أذكر أقوال الفقهاء في المسألة مع ذكر الأدلة التي استدل بها كل فريق، ثم أذكر الصحيح من تلك الأقوال مناقشًا للأدلة التي استدل بها المخالف.
٧) ذكرت في كثير من المسائل أقوال الصحابة في تلك المسائل مع بيان ما ثبت منها وما لم يثبت؛ غير أني لم أستوعب ذلك، ولكني عازم إن شاء الله على تأليف
1 / 10
كتاب كبير في الفقه أذكر فيه الحكم الشرعي في التبويب، ثم أذكر الأدلة على ذلك من الكتاب، والسنة الصحيحة بالأسانيد، وأذكر آثار الصحابة الثابتة بالأسانيد، وإن كان في المسألة إجماع بينت من نقل في ذلك الإجماع، واسم هذا الكتاب «الجامع الصحيح في الفقه الشرعي»، أسأل الله ﷿ أن يوفقني لتأليفه، وأن ييسر عليَّ ذلك.
٨) ذكرت في كثير من المسائل اختيار علمائنا المعاصرين فيها؛ استئناسًا بهم، كالإمام الفقيه ابن باز، والإمام الفقيه العثيمين، والإمام الفقيه المحدث الألباني، والإمام الفقيه المحدث مقبل الوادعي، وغيرهم رحمة الله عليهم.
٩) بعد ذكري للمسائل المستفادة من الحديث مع دراستها أذكر بعد ذلك بعض المسائل الملحقة مما يتعلق بالباب؛ لِتَتم الفائدة، وربما ذكرت المسائل المستفادة مع المسائل الملحقة دون تمييز إذا تعذر ذلك.
١٠) كتابي المذكور «فتح العلام» إنما هو دراسة لأحاديث «بلوغ المرام» حديثيًّا، وفقهيًّا، وليس شرحًا للكتاب؛ ولذلك فإني أقتصر على دراسة الأحكام الفقهية المتعلقة بالباب فقط، وقد اعتمدت في «بلوغ المرام» على النسخة التي حققتها أنا على نسختين، إحداهما مطبوعة، والأخرى مخطوطة.
هذا وأشكر أخي الفاضل الناصح الأمين أبا خالد سرور بن أحمد بن معيض الوادعي على نصائحه الغالية، وتوجيهاته الثمينة الحادية بي -بفضل الله عزوجل- إلى هذا الخير، وإلى الثبات على طلب العلم، وعلى نفع المسلمين بذلك، فأسأل
1 / 11
الله أن يغفر له ولوالديه، وأن يكرمه في الدنيا والآخرة، وأن يبارك له في أهله، وماله، وولده، وأن يقيه فتنة المحيا والممات.
وأشكر إخواني الذين تعاونوا معي في المقابلة، وتصحيح الأخطاء؛ فجزاهم الله خير الجزاء، وثبتنا اللهُ وإياهم على الحق حتى نلقاه، وأشكر والديَّ، ومشايخي الذين ربونا على الخير والسنة، وأخُصُّ منهم شيخنا الإمام سماحة الوالد مقبل بن هادي الوادعي ﵀، وعفا عنه، وغفر له، ثم شيخنا الفاضل الناصح الأمين يحيى ابن علي الحجوري حفظه الله، وسدده وعافاه.
وقبل الشروع في دراسة الأحاديث نذكر ترجمة مختصرة للحافظ ابن حجر ﵀، ثم أذكر للفائدة قواعد فقهية معتمدة ثابتة بالأدلة الشرعية يحتاجها طالب العلم؛ لفهم المسائل الفقهية، وبالله التوفيق.
1 / 12
ترجمة مختصرة للحافظ ابن حجر ﵀-
قال السخاوي ﵀ في كتابه «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع»: أحمد بن علي ابن محمد بن محمد بن علي بن أحمد شيخي الأستاذ إمام الأئمة الشهاب أبوالفضل الكناني العسقلاني المصري ثم القاهري الشافعي، ويعرف بابن حجر، وهو لقب لبعض آبائه.
ولد في ثاني عشري شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بمصر العتيقة، ونشأ بها يتيمًا في كنف أحد أوصيائه الزكي الخروبي فحفظ القرآن وهو ابن تسع عند الصدر السفطي شارحِ مختصرِ التبريزي، والعمدةَ وألفية ابن العراقي والحاوي الصغير ومختصر ابن الحاجب الأصلي والملحة وغيرها.
ثم ذكر ﵀ جملة من مشايخه الذين تفقه عندهم ودرس على أيديهم جملةً من كتب الفقه واللغة والأدب والحساب والعروض والقراءات وغيرها.
قال: وحبب الله إليه الحديث وأقبل عليه بكليته وطلبه من سنة ثلاث وتسعين، وهلم جرًّا. لكنه لم يلزم الطلب إلا من سنة ست وتسعين ثم ذكر كلامًا طويلًا في تمكن الحافظ في الحديث والتدريس والإفتاء، ثم وُلي القضاء على غير رغبة، ثم تركه ﵀.
1 / 13
وكانت وفاته في أواخر ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. انتهى بتصرف واختصار. «الضوء اللامع» (٢/ ٣٦ - ٤٠).
قلتُ: وللحافظ ابن حجر ﵀ مشايخ كثيرون جمعهم في كتاب له سماه «المجمع المؤسس للمعجم المفهرس»، ومن أشهر مشايخه: البلقيني، وابن الملقن، والعراقي، والهيثمي وغيرهم.
ومن أشهر تلاميذه ﵀: الحافظ السخاوي، وزكريا الأنصاري، والكمال ابن الهمام، وابن تغري بردي وكل هؤلاء أصحاب مصنفات.
وللحافظ ابن حجر ﵀ تصانيف كثيرة جدًّا، من أشهرها:
• «إتحاف المهرة بأطراف العشرة».
• «فتح الباري بشرح صحيح البخاري».
• «الإصابة في تمييز الصحابة».
• «تهذيب تهذيب الكمال».
• «لسان الميزان».
• «الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة».
• «المطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية».
• «تغليق التعليق».
1 / 14
• «التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير».
• «الدراية في تخريج أحاديث الهداية».
• «النكت على علوم الحديث لابن الصلاح».
• «النكت الظراف على تحفة الأشراف».
• «نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار».
• ومن كتبه أيضًا الكتاب الذي بين أيدينا «بلوغ المرام من أدلة الأحكام».
وله كتب أخرى كثيرة فرحمه الله، وغفر له وأعلى درجاته في عليين.
ومن أراد التوسع في ترجمة هذا الإمام فليراجع كتاب تلميذه السخاوي ﵀ «الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر».
1 / 15
قواعد فقهية معتمدة
الأولى: الأمور بمقاصدها، ولا عمل إلا بنية
المعنى: جميع أقوال المكلف وأفعاله تختلف نتائجها وأحكامها الشرعية باختلاف قصد الإنسان وغايته من هذه الأقوال والأفعال.
دليل القاعدة: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء: ١٠٠]، وحديث عمر بن الخطاب ﵁ في «الصحيحين»: أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، وأدلة القاعدة كثيرة جدًّا من الكتاب والسنة.
الثانية: لا ضرر ولا ضرار
المعنى: أنَّ الشرع حرَّم الفعل، أو القول الذي فيه ضرر على آخر بغير حق.
دليل القاعدة: قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لا ضرر ولا ضرار»، وسيأتي تخريجه إن شاء الله في «البلوغ» برقم (٩١٠).
الثالثة: المشقة تجلب التيسير
المعنى: الأحكام التي ينشأ عن فعلها حرج، ومشقة على المكلف في نفسه، أو ماله؛ فإنَّ الشريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلف وسعته.
1 / 16
دليل القاعدة: قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨].
الرابعة: اليقين لا يزول بالشك
المعنى: الأمر المتيقن لا يرتفع إلا بدليل قاطع لا بمجرد الشك.
دليل القاعدة: حديث عبدالله بن زيد ﵁ في «الصحيحين» أنه شكا إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة. فقال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا»، وأخرجه مسلم بنحوه عن أبي هريرة ﵁.
الخامسة: العادة محَكَّمة
المعنى: أنَّ عادات الناس التي اعتادوها في معاملاتهم تجري في الأحكام مجرى الشروط، وكذلك ما ليس له حقيقة شرعية، أو لغوية؛ أخذ بحقيقته العرفية.
دليل القاعدة: قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء:١٩]، وقوله: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، وقوله: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣]، وقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لامرأة أبي سفيان هند بنت عتبة ﵄: «خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك، ويكفي بنيك».
تنبيه: هذه القواعد الخمس المتقدمة يطلق عليها بعضُ الفقهاء (قواعد كبرى كلية)؛ وذلك لأنه يندرج تحتها قواعد فقهية كثيرة مما يذكرها الفقهاء؛ ولأنه يندرج تحتها فروع كثيرة من الأحكام الشرعية.
وانظر: «القواعد الفقهية» للعلائي، «الأشباه والنظائر» للسيوطي، و«القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها» للسدلان، و«منظومة السعدي في القواعد الفقهية».
1 / 17
السادسة: النصُّ يؤخذ بعمومه وإطلاقه حتى يقوم دليل التخصيص، أو التقييد نصًّا، أو دلالة
دليل القاعدة: حديث البراء بن عازب ﵄ في «الصحيحين» قال: لما نزلت ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء:٩٥] دعا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- زيدًا، فكتبها، فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضَرَارَته. فأنزل الله: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ [النساء:٩٥].
السابعة: ما نهي عنه لذاته من العبادات فمقتضاه فساد العبادة
مثاله: النهي عن صوم يوم العيد، والنهي عن الصلاة في أوقات النهي.
ومثال ما نهي عنه لغيره: نهي المرأة عن الصيام بغير إذن زوجها.
دليل القاعدة: حديث عائشة ﵂ في «صحيح مسلم» أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد».
الثامنة: الأصل في العبادات الحظر؛ فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
والمعنى: أنَّ العبادات توقيفية؛ فلا يُعبد الله إلا بما شرع، وبالكيفية التي أرادها الله ﷾.
دليل القاعدة: حديث عائشة ﵂ في «الصحيحين» أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد».
التاسعة: الأصل في الأشياء الإباحة، فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
والدليل على ذلك: قوله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة:٢٩]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف:٣٢].
1 / 18
العاشرة: الجواز الشرعي ينافي الضمان
المعنى: أنَّ ما أذن الشرع بفعله، فترتب عليه تلف، أو جراح؛ فهو غير مضمون.
دليل القاعدة: حديث علي ﵁ في «الصحيحين»: ما كنت لأقيم على أحد حدًّا؛ فيموت، فأجد عليه في نفسي؛ إلا صاحب الخمر؛ فإنه لو مات وَدَيْتُه؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يسنَّه.
فهذه عشر قواعد فقهية يكثر الاستدلال بها، وتكثر الفروع الفقهية المندرجة تحتها، وهناك قواعد أخرى كثيرة لم نذكرها، بعضها يكون مقتصرًا على أمور خاصة، وبعضها لا يصح جعلها قاعدة؛ لانتقاضها في بعض المواضع.
وسيأتي إن شاء الله في كتابنا هذا «فتح العلام» ذكر كثير من القواعد في أماكنها.
هذا وليعلم أنَّ القاعدة الفقهية تحتاج إلى أن يستدل لها قبل أن يستدل بها؛ وعليه فإنَّ العمدة إذًا على الكتاب والسنة والإجماع، قال الله ﷿: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٣]، وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبدًا» أخرجه الحاكم عن ابن عباس ﵄ بإسناد صحيح.
هذا وينبغي لطالب العلم قبل الشروع في دراسة الفقه أن يدرس كتابًا في أصول الفقه، ولو مختصرًا كـ «الورقات» للإمام الجويني ﵀، وَيَحْسُن به أيضًا أن يكون قد درس كتابًا في مصطلح الحديث، ولو مختصرًا كـ «البيقونية»، أو «اختصار علوم الحديث» لابن كثير ﵀.
1 / 19
وفي الأخير أقول:
اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله وحدك لا شريك لك المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، أسألك يا رب أن تنفعني وسائر المسلمين بهذا الكتاب، وأسألك أن تجعل فيه البركة والنفع إلى قيام الساعة، وأن تجعله في ميزان حسناتي، وأن تنفعني به يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، وأسألك يا رب أن تثبتني، ووالدي، وإخواني، ومشايخي على الحق والسنة، وعلى طلب العلم حتى نلقاك.
ونعوذ بك يا رب من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ومن فتنة المحيا والممات.
سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.
كتبه
محمد بن علي بن حزام الفضلي البعداني
يوم الثلاثاء الموافق ١٨/رمضان/١٤٣٠ من الهجرة النبوية
في دار الحديث بدماج حرسها الله
1 / 20
بسم الله الرحمن الرحيم (^١)
الْمُقَدِّمَة
الحمدُ للهِ عَلَى نِعَمِهِ الظاهِرَةِ والباطِنَةِ قديمًا وحَديثًا، والصلاةُ والسلامُ على نَبِيِّهِ ورسُولِهِ مُحمَّدٍ وَآلهِ وصحبِهِ الذِينَ ساروا في نُصْرَةِ دِينهِ سَيرًا حَثيثًا، وعلى أَتْباعِهِم الذين وَرِثُوا عِلْمَهُم -والعلماءُ وَرَثَةُ الأَنْبِياءِ- أَكْرِمْ بِهِمْ وَارِثًا وَمَوْرُوثًا.
أما بعد:
فهذا مُختصَرٌ يشتملُ على أُصولِ الأَدلَّةِ الحديثيةِ للأَحْكَامِ الشَّرعيَّةِ، حَرَّرْتُهُ تحريرًا بالِغًا؛ ليصيرَ مَنْ يحفظُهُ مِنْ بَيْنِ أَقْرَانِهِ نابغًا، ويستعينَ به الطالبُ المبتدِي، وَلَا يستغنِي عنه الرَّاغِبُ المنتهِي، وقد بيَّنتُ عَقِبَ كُلِّ حديثٍ مَنْ أخرجَهُ مِنَ الأئمَّةِ؛ لِإِرادَةِ نُصْحِ الأُمَّةِ.
_________
(^١) في (ب): (رب يسر بخير)، وفي (أ): (رب يسر بخير يا كريم، بمحمد وآله). وهذا توسل غير مشروع؛ لأنه توسلٌ بذات النبي ﷺ، وآله أو بجاههم.
قال شيخ الإسلام ﵀ في كتابه «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» (٨٧): فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معانٍ: أحدها: التوسل بطاعته؛ فهذا فرضٌ لا يتم الإيمان إلا به. والثاني: التوسل بدعائه، وشفاعته، وهذا كان في حياته، ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته. والثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته، والسؤال بذاته؛ فهذا هو الذي لم يكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه، لا في حياته، ولا بعد مماته، لا عند قبره، ولا غير قبره، ولا يُعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم. انتهى المراد من كلامه ﵀.
1 / 21
فالمراد بالسبعة: أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبوداود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وبالستة: من عدا أحمد. وبالخمسة: من عدا البخاريَّ ومسلمًا. وقد أقول الأربعة وأحمد.
وبالأربعة: من عدا الثلاثة الأول، وبالثلاثة: من عداهم، والأخير.
وبالمتفق عليه: البخاري ومسلم. وقد لا أذكر معهما غيرهما.
وما عدا ذلك فهو مبين، وسميته: «بلوغ المرام من أدلة الأحكام».
واللهَ أسأل أن لا يجعل ما علمنا علينا وبالًا، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه ﷾.
1 / 22