Fatawa of the Imams on Calamitous Events
فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة
Maison d'édition
دار الأوفياء للطبع والنشر
Lieu d'édition
الرياض
Genres
ـ[فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة، وتبرئة دعوة وأتباع محمد بن عبدالوهاب من تهمة التطرف والإرهاب]ـ
المؤلف: محمد بن حسين بن سعيد بن هادي بن عبد الرحمن بن محمد بن حسن بن سفران القحطاني
الناشر: دار الأوفياء للطبع والنشر - الرياض
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Page inconnue
بسم الله الرحمن الرحيم
المملكة العربية السعودية
رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء
مكتب المفتي العام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين .. أما بعد:
فقد اطلعنا على كتاب (فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة) والذي جمعه الشيخ محمد بن حسين القطحاني -وفقه الله- فألفيناه كتابا قيما نافعا في بابه؛ ذلك أنه عند حدوث الفتن ونزول النوازل بالأمة الإسلامية يتحتم على أفرادها الرجوع إلى أهل العلم الراسخين الذين يدركون بتوفيق من الله ونور منه وبما آتاهم الله من العلم والهدى يدركون الأمور على حقيقتها ويعلمون ما يصلح الأمة في حالتها الراهنة ونازلتها الحادثة، كما أنهم يسيرون بالأمة وفق شرع الله في سائر الأحوال، وهذا المنهج القويم؛ أعني رد الأمور إلى أهلها عند حدوث الفتن أصل شرعي، يقول الله تعالى: ﴿وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾.
وما جمعه الشيخ محمد القحطاني من فتاوى وبيانات هي لعلماء نحسبهم -ولا نزكي على الله أحدا- علماء ربانيين نهلوا من العلم الصحيح فتعلموا وعلموا وبصروا الناس بما يصلحهم في أمر دينهم ودنياهم.
فكان الكتاب مرجعا لمن نزلت به نازلة يعلم قول أهل في نظائرها فيسكن جنانه ويعبد ربه على بصيرة. فجزى الله جامعها كل خير، وجزى الله هؤلاء العلماء الفضلاء عن المسلمين خير الجزاء وجعل ما علموا وبينوا في ميزان حسناتهم مدخرا لهم أحوج ما يكونون إليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
1 / 2
مقدمة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
الحمد لله الذي من علينا بنعمة الإسلام، وأمرنا بالتمسك به ليوصلنا به إلى دار السلام، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير الأنام. وعلى آله وصحابته البررة الكرام، أما بعد:
فقد اطلعت على ما جمعه الأخ الشيخ: محمد بن حسين القحطاني من كلام العلماء وفتاواهم في موضوع الأحداث الجارية من بعض الشباب المغرر بهم من أقوال وأفعال شاذة، وخروج على الآداب الإسلامية، وإخلال بالأمن، وترويع وتقتيل للأبرياء.
ولا شك أن لكل حادث حديثا، فتكلم العلماء بما يقتضيه الشرع حول تلك الأحداث، واستنكروها، وبينوا حكمها وحكم القائم بها في الإسلام؛ نصيحة للأمة، وكشفا للشبهات، على ما يقتضيه الواجب عليهم نحو هذه التصرفات المشينة، فكان فيما جمعه الشيخ محمد من كلامهم وفتاواهم فيما سماه:
(فتاوى الأئمة في حكم التفجيرات في البلاد الإسلامية وغيرها) خير مقنع لمن أراد الله هدايته، ومن لم يرد الله هدايته فلن تملك له من الله شيئا.
فجزاه الله خير الجزاء، ونفع بمجهوده الطيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
كتبه:
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
1 / 3
اللهم إنا نستكفي بك الافتتان بإطراء المادح، وإغضاء المسامح، كما نستكفي بك الانتصاب لإزراء القادح، وهتك الفاضح.
قال الإمام الشافعي (١):
ما ناظرت أحدا قط على الغلبة وبودي أن جميع الخلق تعلموا هذا الكتاب -يعني كتبه-
على أن لا ينسب إلي منه شيء (٢)
وقال ﵀: (٣) "ليس إلى السلامة من الناس سبيل فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه".
_________
(١) "سير أعلام النبلاء".
(٢) هذا وكتبه ﵀ حوت فقهه المتين، وعلمه الرصين، ومذهبه السني، ونهجه السلفي، والذي بان فيها فضله، وشرف بها قدره؛ حتى غدا إماما من أئمة المسلمين؛ فليت بعض الأغمار (الأدعياء) يتبعون هذا الهدي إن كانوا في اتباعهم للسلف صادقين، قال الذهبي: "الجاهل لا يعلم رتبة نفسه، فكيف يعرف رتبة غيره؟ " "سير أعلام النبلاء" (١١/ ٣٢١).
(٣) "سير أعلام النبلاء" (١٠/ ٤٢).
1 / 5
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
أحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات؛ على ما يسر ووفق لهذا الكتاب من الرواج الكبير، والانتشار العريض، وما كنت أظن أن يبلغ هذا الكتاب ما بلغ؛ حتى توافرت عليه الثناءات، وأطبقت لحسنه الجماعات، وما ذاك إلا لتوفيق الله أولا، ثم لمتانة ما فيه من فقه علمائنا، ولاة أمرنا، "أئمة الأنام، وزوامل الإسلام، الذين حفظوا على الأمة معاقد الدين ومعاقله، وحموا من التغيير والتكدير موارده ومناهله" (١) أمناء الشريعة، وعدول الأمة، "فقهاء الإسلام، ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خصوا باستنباط الأحكام، وعنوا بضبط الحلال من الحرام" (٢) فقد حوى كلامهم النصائح والدرر، ودار في فقه الحديث والسور، وحمل العلم النافع بأنواعه؛ حتى غدت علومهم، وجميل فهومهم؛ بلسما شافيا، ودواء ناجعا، لمن طلب السلامة، ورام الكرامة.
وهذا شأن الراسخين في العلم، الذين أفنوا فيه أزمانا وأعمارا، وحملوه يقينا واقتدارا، حتى غدوا كالجبل الأشم في وجه شبه الغالين والجافين، قال ابن القيم ﵀: "إن الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر؛ ما أزالت يقينه، ولا قدحت فيه شكا؛ لأنه
_________
(١) "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (١/ ٩).
(٢) "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (١/ ٩).
1 / 6
قد رسخ في العلم، فلا تستفزه الشبهات؛ بل إذا وردت عليه: ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة" (١).
قال ابن أبي العز: "كل أمة قبل مبعث محمد ﷺ علماؤها شرارها، إلا المسلمين؛ فإن علماءهم خيارهم، فإنهم خلفاء الرسول في أمته، جعلهم الله بمنزلة النجوم؛ يهتدى بها في ظلمات البر والبحر" (٢).
هذا وإن من اللازم عرض فهومنا للوحيين عليهم، والصدور عن ما رأوه وقرروه؛ وذلك لتكامل علومهم، ودقة فهومهم، وإسناد فقههم، قال الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ ﵀: "فلو أن إنسانا قال: ما نقبل إلا بظاهر لفظ القرآن، وتعلق بظاهر لفظ لا يعرف معناه، أو أوله على غير تأويله، ولم يعرضه على العلماء؛ بل يعتمد على فهمه هو؛ فقد ضاهى الخوارج المارقين" (٣).
فلا مناص من اتباع العلماء الشيوخ الأكابر، أهل البصر الحديد، والرأي السديد، فعن أبي أمية اللخمي أن النبي ﷺ قال: «إن من أشراط الساعة ثلاثة: إحداهن أن يلتمس العلم عند الأصاغر» (٤).
وقال عمر بن الخطاب ﵁: "فساد الدين إذا جاء العلم من قبل الصغير استعصى عليه الكبير، وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل
_________
(١) "مفتاح دار السعادة" (١/ ١٤٠).
(٢) "شرح العقيدة الطحاوية".
(٣) "مجموع رسائل وفتاوى في مسائل مهمة تمس إليها حاجة العصر" (ص١٣).
(٤) "المعجم الكبير" للطبراني (٢٢/ ٣٦١) "الإصابة في تمييز الصحابة" (٧/ ٢٢).
1 / 7
الكبير تابعه عليه الصغير" (١).
قال ابن مسعود ﵁:" لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم، فإذا أخذوا عن صغارهم وشرارهم هلكوا" (٢).
وعن ابن عباس ﵄ قال: قدم على عمر رجل، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين قد قرأ منهم القرآن كذا وكذا. فقال: ابن عباس، فقلت: والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة، قال: فزبرني عمر، ثم قال: مه، قال: فانطلقت إلى أهلي مكتئبا حزينا، فقلت: قد كنت نزلت من هذا الرجل منزلة؛ فلا أراني إلا قد سقطت من نفسه، قال: فرجعت إلى منزلي فاضطجعت على فراشي، حتى عادني نسوة أهلي، وما بي وجع، وما هو إلا الذي تقبلني به عمر. قال: فبينا أنا على ذلك أتاني رجل، فقال: أجب أمير المؤمنين. قال: خرجت فإذا هو قائم ينتظرني، قال: فأخذ بيدي ثم خلا بي، فقال: ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفا؟. قال: فقلت: يا أمير المؤمنين إن كنت أسأت فإني أستغفر الله وأتوب إليه، وأنزل حيث أحببت. قال: لتحدثني بالذي كرهت مما قال الرجل. فقلت: يا أمير المؤمنين متى ما تسارعوا هذه المسارعة يحيفوا، ومتى ما يحيفوا يختصموا، ومتى ما يختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا.
_________
(١) "فتح الباري" (١/ ٣٠١).
(٢) "مصنف عبد الرزاق" (١١/ ٢١٧) وانظر" الإصابة في تمييز الصحابة" (٤/ ١٤٥).
1 / 8
فقال عمر: "لله أبوك! لقد كنت أكاتمها الناس حتى جئت بها" (١).
هذا .. وإن في البعد عن اتباع العلماء السبب الأكيد لإدخال الوهن على أمة محمد ﷺ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: "من فارق السبيل كان كمن يمشي في الصحراء بغير دليل، فهذا هلاكه أقرب إليه من نجاته". فلا تلتفت يمينا أو شمالا إلا وترى من الشرور العظيمة، والمفاسد الجسيمة؛ ما لا يحصيه إلا الله ﷿، وما هذه الفتن التي تنخر في جسد الأمة؛ من اختطاف وتفجير، واغتيال وتكفير؛ إلا أوضح دليل على ما أقول، فإن مشاكل الأمة لا تحل بقول فلان أو فلان من الصالحين أو الوعاظ؛ لمجرد أنه يحمل هم الإسلام! قال سحنون بن سعيد: "لا أدري ما هذا الرأي؟! سفكت به الدماء، واستحلت به الفروج، واستخفت به الحقوق، غير أنا وجدنا رجلا صالحا فقلدناه" (٢).
قال الشيخ سعد بن عتيق (٣) ﵀: "ومن أعظم أسباب التفرق والاختلاف، والعدول عن طريق الحق والإنصاف؛ ما وقع فيه كثير من الناس من الإفتاء في دين الله بغير علم، والخوض في مسائل العلم بلا فهم ولا دراية، قال الله تعالى: ﴿فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾ وقد قال في هذا الصنف من الناس: ﴿ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون﴾.
_________
(١) "سير أعلام النبلاء" (٣/ ٣٤٩).
(٢) "إعلام الموقعين" (١/ ٦١).
(٣) "مجموع رسائل وفتاوى في مسائل مهمة تمس إليها حاجة العصر" (ص١٣).
1 / 9
وإني لأهيب بإخوتي من طلبة العلم بالسير حثيثا لخدمة علمائنا الأجلاء، وبيان أفضالهم وجهودهم، ونشر توجيهاتهم وعلومهم، فهم أخص من يوالى ويحب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فيجب على المسلمين بعد موالاة الله ورسوله؛ موالاة المؤمنين، كما نطق به القرآن، خصوصا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم؛ يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر، وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، إذ كل أمة قبل مبعث محمد ﷺ فعلماؤها شرارها؛ إلا المسلمين؛ فإن علماءهم خيارهم، فإنهم خلفاء الرسول في أمته، والمحيون لما مات من سنته، بهم قام الكتاب، وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا .. " (١).
وبعد: فتمتاز هذه الطبعة بأمر نفيس ألا وهو تقديم إمامين كبيرين، وشيخين جليلين؛ سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ العلامة النحرير: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ، وشيخي وأستاذي الفقيه العلم المربي الدكتور: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، بنى الله لهم في الجنة دارا، وأخمد لعدوهم نارا، وأعلى لهم في الدنيا منارا.
ومما امتازت به هذه الطبعة زيادة عدد صالح من الفتاوى المهمة في موضوع الكتاب؛ وكان شرطي ولا يزال: هو النقل -من المعاصرين- عن أعضاء هيئة كبار العلماء، خلا فتاوى للشيخ المحدث: ناصر الدين الألباني
_________
(١) "مجموع الفتاوى" (٢٠/ ٢٣٢).
1 / 10
﵀، وفتوى لشيخي الأول، وأستاذي المبجل، الأديب العريب، الفقيه الأريب: صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ.
وأختم المقال بكلمة قالها أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك عندما ظهر في عهده رجل يقول بالقدر، وقد أغوى خلقا كثيرا. فأحضره هشام بن عبد الملك وأحضر الإمام الأوزاعي ليناظره، فغلبه الأوزاعي بالحجة والبيان، وبهت الرجل، ولم يستطع جوابا، فقال هشام بن عبد الملك: "حياة الخلق وقوام الدين بالعلماء" (١).
وبعد:
فهل من مستجيب للسداد، ونداء الحق والرشاد، في فتاوى الأئمة، الذين يربون الأمة، ويدفعون عنها -بإذن الله- في النوازل المدلهمة؟!.
وكتب
محمد بن حسين بن سعيد آل سفران القحطاني
_________
(١) "اعتقاد أصول أهل السنة" للالكائي (١٣٣٣).
1 / 11
قال الإمام البخاري ﵀:
باب الفتنة التي تموج كموج البحر
وقال ابن عيينة عن خلف بن حوشب:
كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن
قال امرؤ القيس:
الحرب أول ما تكون فتية ... تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ... ولت عجوزا غير ذات حليل
شمطاء ينكر لونها وتغيرت ... مكروهة للشم والتقبيل
1 / 12
مقدمة
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل؛ بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه؛ فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة؛ فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتنة المضلين.
ونشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله جل وعلا اختار محمدا ﷺ لنفسه وليا، وبعثه إلى خلقه نبيا، ليدعو الخلق من عبادة العباد إلى عبادته، ومن اتباع السبل إلى لزوم طاعته؛ حيث كان الخلق في جاهلية جهلاء، وعصبية مضلة عمياء، يهيمون في الفتن حيارى، ويخوضون في الأهواء سكارى، يترددون في بحار الضلالة،
1 / 13
ويجولون في أودية الجهالة. شريفهم مغرور، ووضيعهم مقهور، فبعثه الله إلى خلقه رسولا، وجعله إلى جنانه دليلا، فبلغ ﷺ عنه رسالاته، وبين المراد بآياته، وأمر بكسر الأصنام، ودحض الأزلام، حتى أسفر الحق عن محضه، وأبدى الليل عن صبحه، وانحط به أعلام الشقاق، وانهشم بيضة النفاق. وإن في لزوم سنته تمام السلامة، وجماع الكرامة، لا تطفأ سرجها، ولا تدحض حججها، من لزمها عصم، ومن خالفها ندم، إذ هي الحصن الحصين، والركن الركين، الذين بان فضله، ومتن حبله، من تمسك به ساد، ومن رام خلافه باد، فالمتعلقون به أهل السعادة في الآجل، والمغبوطون بين الأنام في العاجل.
وإني لما رأيت حاجة الناس إلى فتاوى علماء الأمة في الأمور النازلة المدلهمة؛ رأيت جمعها في كتاب واحد؛ لتكون نورا في الظلمات، ويقينا في المدلهمات، وطمأنينة في المشكلات، وليكون بها النجاة من الفتن، وسلامة الدين والعرض والبدن، في أوقات ينسى فيها العلم، ويندر الحلم، ويقل الاتباع، ويكثر الابتداع، وتنشق الألفة، وتحل الفرقة، وينزل فيها البلاء، وتراق الدماء، فيها .. يتبرأ من أهل الولاء، ويتولى أهل البراء، ولا مخرج من الفتن إلا بالاعتصام بالسنة والأثر، ومراجعة التاريخ والسير، والعلم بأن هلاك أمة محمد هو بالبعد عن الهدي النبوي وورثته، والتنكب عن العلم وحملته.
قال الحق جل وعلا في محكم التنزيل: ﴿ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون﴾ [الروم: آية ٥٨ - ٦٠].
1 / 14
عن حذيفة بن اليمان ﵁ قال: كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا. فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك (١).
وبعد: فبين يديك أخي الكريم فتاوى لعلماء أئمة، أنت مأمور باتباعهم، ولزوم هديهم، أضعها بين يديك، لم أنقص فيها أو أزد، وإنما هو النقل والتبويب.
أسال الله جل في علاه أن يوفقنا لكل خير، وأن يباعدنا من كل شر،
_________
(١) "رواه البخاري في كتاب الفتن، باب: كيف الأمر إذا لم تكن الجماعة، حديث رقم (٧٠٨٤)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب: وجوب ملازمة جماعة المسلمين، حديث رقم (٣٤٣٤).
1 / 15
وأن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وبطن، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
أفقر العباد إلى الله وأحوجهم لعفوه ومغفرته ورضاه
محمد بن حسين بن سعيد آل سفران القحطاني
الرياض حرسها الله
ص. ب: ٨١٦ الرياض ١١٣٢١
1 / 16
فتاوى الأئمة
في
حكم التفجيرات والتخريب في البلاد الإسلامية وغيرها
1 / 17
بيان من هيئة كبار العلماء حول حوادث التفجير الأخيرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والخمسين التي انعقدت في مدينة الطائف، ابتداء من تاريخ ١١/ ٦/ ١٤٢٤هـ؛ قد استعرض ما جرى مؤخرا في المملكة العربية السعودية من تفجيرات؛ استهدفت تخريبا، وقتل أناس معصومين، وأحدثت فزعا وإزعاجا.
كما استعرض ما اكتشف من مخازن للأسلحة، ومتفجرات خطيرة؛ معدة للقيام بأعمال تخريب ودمار في هذه البلاد؛ التي هي حصن الإسلام، وفيها حرم الله، وقبلة المسلمين، ومسجد رسول الله ﷺ، ولأن مثل هذه الاستعدادات الخطيرة المهيأة لارتكاب الإجرام؛ من أعمال التخريب، والإفساد في الأرض؛ مما يزعزع الأمن، ويحدث قتل الأنفس، وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة، ويعرض مصالح الأمة لأعظم الأخطار.
ونظرا لما يجب على علماء البلاد من البيان تجاه هذه الأخطار: من وجوب التعاون بين كافة أفراد الأمة لكشفها، ودفع شرها، والتحذير منها، وتحريم السكوت عن الإبلاغ عن كل خطر يبيت ضد هذا الأمن: رأى المجلس وجوب البيان؛ لأمور تدعو الضرورة إلى بيانها في هذا الوقت؛ براءة للذمة، ونصحا للأمة، وإشفاقا على أبناء المسلمين من أن يكونوا أداة فساد وتخريب، وأتباعا لدعاة الضلالة والفتنة والفرقة، وقد أخذ
1 / 19
الله تعالى على أهل العلم الميثاق؛ أن يبينوا للناس، قال الله سبحانه: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه﴾ لذلك كله وتذكيرا للناس، وتحذيرا من التهاون في أمر الحفاظ على سلامة البلاد من الأخطار؛ فإن المجلس يرى بيان ما يلي:
أولا: إن القيام بأعمال التخريب والإفساد -من تفجير وقتل وتدمير للممتلكات- عمل إجرامي خطير، وعدوان على الأنفس المعصومة، وإتلاف للأموال المحترمة، فهو مقتض للعقوبات الشرعية الزاجرة الرادعة، عملا بنصوص الشريعة ومقتضيات حفظ سلطانها، وتحريم الخروج على من تولى أمر الأمة فيها، يقول النبي ﷺ: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه» (١).
ومن زعم أن هذه التخريبات وما يراد من تفجير وقتل: من الجهاد؛ فذلك جاهل ضال، فليست من الجهاد في سبيل الله في شيء. ومما سبق فإنه قد ظهر وعلم أن ما قام به أولئك ومن وراءهم؛ إنما هو من الإفساد والتخريب والضلال المبين، وعليهم تقوى الله ﷿، والرجوع إليه، والتوبة، والتبصر في الأمور، وعدم الانسياق وراء عبارات وشعارات فاسدة، ترفع لتفريق الأمة وحملها على الفساد، وليست في حقيقتها من
_________
(١) أخرجه مسلم في "الصحيح" (١٨٤٨).
1 / 20
الدين، وإنما هي من تلبيس الجاهلين والمغرضين، وقد تضمنت نصوص الشريعة عقوبة من يقوم بهذه الأعمال، ووجوب ردعه، والزجر عن ارتكاب مثل عمله، ومرد الحكم بذلك إلى القضاء.
ثانيا: وإذ تبين ما سبق؛ فإن مجلس هيئة كبار العلماء يؤيد ما تقوم به الدولة -أعزها الله بالإسلام- من تتبع لتلك الفئة، والكشف عنهم؛ لوقاية البلاد والعباد شرهم، ولدرء الفتنة عن ديار المسلمين وحماية بيضتهم، ويجب على الجميع أن يتعاونوا في القضاء على هذا الأمر الخطير؛ لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا الله به في قوله سبحانه: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب﴾.
ويحذر المجلس من التستر على هؤلاء، أو إيوائهم، فإن هذا من كبائر الذنوب، وهو داخل في عموم قول النبي ﷺ: «لعن الله من آوى محدثا» متفق عليه (١)، وقد فسر العلماء (المحدث) في هذا الحديث بأنه من يأتي بفساد في الأرض، فإذا كان هذا الوعيد الشديد فيمن آواهم؛ فكيف بمن أعانهم أو أيد فعلهم.
ثالثا: يهيب المجلس بأهل العلم أن يقوموا بواجبهم، ويكثفوا إرشاد الناس في هذا الشأن الخطير؛ ليتبين بذلك الحق.
رابعا: يستنكر المجلس ما يصدر من فتاوى وآراء تسوغ هذا الإجرام، أو تشجع عليه؛ لكونه من أخطر الأمور وأشنعها، وقد عظم الله شأن الفتوى
_________
(١) أخرجه البخاري في "الصحيح" (٦٨٧٥) ومسلم في "الصحيح" (١٩٧٨).
1 / 21
بغير علم، وحذر عباده منها، وبين أنها من أمر الشيطان، قال تعالى: ﴿يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾ ويقول سبحانه: ﴿ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم﴾ ويقول جل وعلا: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا﴾، وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئا» متفق عليه (١).
ومن صدر منه مثل هذه الفتاوى أو الآراء التي تسوغ هذا الإجرام؛ فإن على ولي الأمر إحالته إلى القضاء، ليجري نحوه ما يقتضيه الشرع؛ نصحا للأمة وإبراء للذمة وحماية للدين، وعلى من آتاه الله العلم التحذير من الأقاويل الباطلة، وبيان فسادها، وكشف زورها، ولا يخفى أن هذا من أهم الواجبات، وهو من النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، ويعظم خطر تلك الفتاوى إذا كان المقصود بها زعزعة الأمن، وزرع الفتن والقلاقل، ومن القول في دين الله بالجهل والهوى، لأن ذلك استهداف للأغرار من الشباب ومن لا علم عنده بحقيقة هذه الفتاوى، والتدليس عليهم بحججها الواهية، والتمويه على عقولهم بمقاصدها الباطلة، وكل هذا شنيع وعظيم في دين الإسلام، ولا يرتضيه أحد من
_________
(١) أخرجه البخاري في "الصحيح" (٦٨٨٩) ومسلم في "الصحيح" (٢٦٧٤).
1 / 22