Fatawa Kubra
الفتاوى الكبرى
Maison d'édition
دار الكتب العلمية
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م
، وَقَوْلِهِ ﷺ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. فَإِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِمَّا تَنَازَعْت فِيهِ الْأُمَّةُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ مُشْتَبِهًا لَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى دَلِيلٍ يُفِيدُهُ الْيَقِينَ لَا شَرْعِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ، لَمْ يَجِبْ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي ذَلِكَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ اعْتِقَادٍ قَوِيٍّ غَالِبٍ عَلَى ظَنِّهِ؛ لِعَجْزِهِ عَنْ تَمَامِ الْيَقِينِ، بَلْ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُطَابِقًا لِلْحَقِّ، فَالِاعْتِقَادُ الْمُطَابِقُ لِلْحَقِّ يَنْفَعُ صَاحِبَهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ، وَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ.
لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ عَامَّةَ مَنْ ضَلَّ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْ عَجَزَ فِيهِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَإِنَّمَا هُوَ لِتَفْرِيطِهِ فِي اتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَتَرْكِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ الْمُوصِلِ إلَى مَعْرِفَتِهِ، فَلَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ ضَلُّوا، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِبَنِي آدَمَ: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى﴾ [طه: ١٢٣] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٤] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أَنْ لَا يَضِلَّ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ. وَكَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «أَنَّهُ قَالَ: سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، قُلْت: فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ [الجن: ١] ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن: ٢]
1 / 143