Fatawa Kubra
الفتاوى الكبرى
Maison d'édition
دار الكتب العلمية
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م
ثُمَّ إنَّهُ حَرَّمَ لُبْسَهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ، وَهَذَا وَجْهُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ: «كُنْتُ رَخَّصْتُ لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» .
فَإِنَّ الرُّخْصَةَ مُتَقَدِّمَةٌ كَانَتْ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْجُلُودِ بِلَا دِبَاغٍ، كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ، فَرُفِعَ النَّهْيُ عَمَّا أَرْخَصَ، فَأَمَّا الِانْتِفَاعُ بِهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ فَلَمْ يُنْهِ عَنْهُ قَطُّ، وَلِهَذَا كَانَ آخَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ: إنَّ الدِّبَاغَ مُطَهِّرٌ لِجُلُودِ الْمَيْتَةِ، لَكِنْ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الذَّكَاةِ، أَوْ مَقَامَ الْحَيَاةِ فَيَطْهُرُ جِلْدُ الْمَأْكُولِ، أَوْ جِلْدُ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الْحَيَاةِ دُونَ مَا سِوَى ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ، فَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ مَا تُطَهِّرُهُ الذَّكَاةُ، لِنَهْيِهِ ﷺ فِي حَدِيثٍ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الْخَمْرِ فِي إطْفَاءِ الْحَرِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، سَلَّمَهُ الْمُنَازَعُونَ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِمُجَانَبَةِ الْخَمْرِ أَعْظَمُ، فَإِذَا جَازَ إتْلَافُ الْخَمْرِ بِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ، فَإِتْلَافُ النَّجَاسَاتِ بِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُمْ سَلَّمُوا جَوَازَ طَعَامِ الْمَيْتَةِ لِلْبُزَاةِ وَالصُّقُورِ فَاسْتِعْمَالُهَا فِي النَّارِ أَوْلَى، وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: هَذَا مَظِنَّةُ مُلَابَسَتِهَا، فَيُقَالُ: مُلَابَسَةُ النَّجَاسَةِ لِلْحَاجَةِ جَائِزٌ إذَا طَهُرَ بَدَنُهُ وَثِيَابُهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، كَمَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ مَعَ مُبَاشَرَةِ النَّجَاسَةِ، وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ ذَلِكَ بَلْ يَسْتَعْمِلُ الْحَجَرَ، أَوْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْمَاءِ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُبَاشَرَتُهَا.
1 / 261