208

Fatawa Kubra

الفتاوى الكبرى

Maison d'édition

دار الكتب العلمية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

أَصَابَتْ الْأَرْضَ، وَذَهَبَتْ بِالشَّمْسِ، أَوْ الرِّيحِ، أَوْ الِاسْتِحَالَةِ هَلْ تَطْهُرُ الْأَرْضُ عَلَى قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: تَطْهُرُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الدَّلِيلِ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ الْكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَتَبُولُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ»، وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَنْظُرْ فِي نَعْلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا أَذًى فَلْيَدْلُكْهُمَا فِي التُّرَابِ فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُمَا طَهُورٌ» .
وَكَانَ الصَّحَابَةُ: كَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَغَيْرِهِ، يَخُوضُونَ فِي الْوَحْلِ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ يُصَلُّونَ بِالنَّاسِ، وَلَا يَغْسِلُونَ أَقْدَامَهُمْ، وَأَوْكَدُ مِنْ هَذَا «قَوْلُهُ ﷺ فِي ذُيُولِ النِّسَاءِ إذَا أَصَابَتْ أَرْضًا طَاهِرَةً بَعْدَ أَرْضٍ خَبِيثَةٍ: تِلْكَ بِتِلْكَ» وَقَوْلُهُ: «يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ» . وَهَذَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ الشَّالَنْجِيِّ الَّتِي شَرَحَهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ، وَهِيَ مِنْ أَجَلِّ الْمَسَائِلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الذُّيُولَ يَتَكَرَّرُ مُلَاقَاتُهَا لِلنَّجَاسَةِ، فَصَارَتْ كَأَسْفَلِ الْخُفِّ وَمَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ. فَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ جَعَلَ الْجَامِدَاتِ تُزِيلُ النَّجَاسَةَ عَنْ غَيْرِهَا لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، كَمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ، وَجَعَلَ الْجَامِدَ طَهُورًا؛ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَاءِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْجَامِدَاتُ لَا تَنْجُسُ بِمَا اسْتَحَالَ مِنْ النَّجَاسَةِ؛ فَالْمَائِعَاتُ أَوْلَى وَأَحْرَى؛ لِأَنَّ إحَالَتَهَا أَشَدُّ وَأَسْرَعُ.

1 / 258