فإن حملناها على المعنى الأول وهو طلب غير الحاصل، فالمعنى: أن النبي _عليه السلام_ متى تمنى بعض ما يتمناه من الأمور وسوس الشيطان إليه ودعاه إلى ما لا ينبغي، كالاشتغال بالدنيا. قال صلى الله عليه وسلم: "إنه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم سبعين مرة". أي: يغشاه الشيطان بالوسوسة، ثم ينسخ الله ذلك، بمعنى يزيله ويبطله.
وإن حملناها على المعنى الثاني الذي هو القراءة، فالمعنى: بإلقاء الشيطان فيها ما يجوز أن يقع الرسول _عليه الصلاة والسلام_ فيه، ويشتبه إلى القارئ دون ما رووه من قوله: تلك الغرانيق العلا، وذلك مثل ما يقع في التلاوة من السهو الممكن وقوعه منه _صلى الله عليه وسلم_، فإنه إذا وقع منه مثل ذلك السهو حق له أن يحزن، وحينئذ يستوجب التسلية من قبل ربه تعالى.
فهذان المعنيان قد تعارضا في تفسير الآية، ويرجح المعنى الأول؛ كون التمني حقيقة في طلب غير الحاصل، ويرجح المعنى الثاني؛ قوله تعالى: {ثم يحكم الله آياته}، فإن ذلك قرينة صالحة لصرف التمني عن حقيقته الأصلية إلى معناه المجازي. والله أعلم.
/
Page 42