غاية الأمر: أنهم تخيلوها موافقة لما أبدعه الحكيم المطلق، وذلك أن أهل الطبائع والمنجمين زعموا أن نوره مستفاد من الشمس، وأبدا لا يكون أحد نصفيه مضيئا بالتمام إلا أنه عند الاجتماع يكون النصف المضيء هو النصف الفوقاني، فلا جرم نحن لا نرى من نوره شيئا، وعند الاستقبال يكون نصفه المضيء مواجها لنا، فلا جرم نراه مستنيرا بالتمام، كلما كان القمر أقرب إلى الشمس كان االمرئي من نصفه المضيء أقل، وكلما كان أبعد كان المرئي من نصفه المضيء أكثر، ثم إنه من وقت الاجتماع إلى وقت الانفصال يكون كل ليلة أبعد من الشمس، ويرى كل ليلة ضوؤه أكثر من وقت الاستقبال إلى وقت الاجتماع، ويكون كل ليلة أقرب إلى الشمس، فلا جرم يرى كل ليلة ضوئه أقل، ولا يزال يقل ويقل حتى عاد كالعرجون القديم.
هذا قولهم، وهو مبني على الوهم والخيال. والحق إن ذلك أمر من الله تعالى يفعل فيه وفي غيره ما يشاء، ويمكن أن يكون بسبب وأن يكون بغير سبب، غير أن الاطلاع على نفس السبب في ذلك متعذر إلا من باب الوحي، ولم ينقل لنا عن أحد من الأنبياء _عليهم السلام_ ببيان السبب في ذلك، وقد انسد من بعدهم باب الوحي، فلا سبيل إلى القول في ذلك إلا بالحدس والتخمين {( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون )(الأنعام: من الآية116)والله أعلم.
/
Page 31