Fatawa Hadithiyya
الفتاوى الحديثية
Maison d'édition
دار الفكر
وحينئذٍ لَا يكون من عطف الْخَاص على الْعَام، وَلَا من عطف الْعَام على الْخَاص إذْ جعلهَا فِي رَاحَة مثلا لَيْسَ صَادِقا على التَّحْدِيد وَإِن تحقق بِهِ، فَإِن ادّعى أَن الِاسْتِئْنَاف إِنَّمَا يكون فِي الْإِخْبَار فَلَا يكون فِي الْإِنْشَاء فَلَا بُد من الدَّلِيل لأَنهم أطْلقُوا أَن الْوَاو تكون للاستئناف فَصَرفهُ عَن ظَاهره لَا يسوغ لغير دَلِيل. وَمِنْهَا: أَن الْفَاء فِي (فليرح) للاستئناف فَإِنَّهَا تَرِدُ لَهُ كَمَا قَالَه جمَاعَة، وَجعلُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [الْبَقَرَة: ١١٧] وَقَوله: ألم تسْأَل الرّبع القواء فينطق وَإِن قَالَ فِي الْمَعْنى: إِن التَّحْقِيق فِي ذَلِك أَن الْفَاء للْعَطْف وَأَن الْمُعْتَمد بالْعَطْف الْجُمْلَة لَا الْفِعْل وَحده لِأَن ذَلِك لَا يمْنَع الْمَسْأَلَة من أَصْلهَا. وَمِنْهَا أَن قَوْله: (فليرح) جَوَاب شَرط مَحْذُوف وَمثل ذَلِك شَائِع ذائع. وَمِنْهَا أَن قَوْله: (ولْيَحَدَّ) لَيْسَ مَعْطُوفًا على (أَحْسنُوا) بل على مَجْمُوع الشّرطِيَّة وَهِي (إِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذبْحَة) بِنَاء على أَن الْكَلَام مَجْمُوع الشّرطِيَّة، وَأَن مضمونها الحكم بِلُزُوم الْجَزَاء للشرطية، وَهُوَ مَا صَوبه السَّيِّد وَغَيره، وَهُوَ مَذْهَب المنطقيين أَيْضا، وَيُوَافِقهُ قَول ابْن هِشَام وَغَيره، إنّ الْكَلَام قد يتركب من جملتين ومَثَّلَ بالشرطية، وَأما مَا وَقع للشَّيْخ سعد الدّين من أَن الْكَلَام هُوَ الْجَزَاء فَقَط، وَالشّرط قيد لَهُ خَارج عَنهُ فَرده السَّيِّد، وَإِذا كَانَ الْعَطف على مَجْمُوع الشّرطِيَّة لم يكن من عطف الْخَاص على الْعَام لِأَن مَضْمُون الشّرطِيَّة لَا يتَنَاوَل المعطوفات الْمَذْكُورَة كَمَا هُوَ ظَاهر، غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه يرد حينئذٍ أَنه يلْزم عطف الْإِنْشَاء على الْخَبَر وَالْجَوَاب أَن ذَلِك لَا يمْنَع الصِّحَّة، لِأَن عطف الْإِنْشَاء على الْإِخْبَار أجَازه كَثِيرُونَ وصوَّبه أَبُو حَيَّان وَغَيره، وَفِي (حَاشِيَة الْكَشَّاف) للتفتازاني عطف الْإِنْشَاء على الْخَبَر كثير وَاقع فِي كَلَامهم، وَلَا يُنَافِيهِ مَا ذكره فِي المطول فِي قَوْله: (وَهُوَ حَسْبِي ونِعْمَ الوَكِيل) لِأَنَّهُ لم يرد بِهِ الِاعْتِرَاض بل تَحْقِيق الْمقَام، كَمَا صرح بِهِ فِي حَاشِيَة لَهُ على هَامِش المطول، وَلِهَذَا ردوا على السَّيِّد حَيْثُ حمل كَلَامه على الِاعْتِرَاض، فَاعْترضَ بِأَنَّهُ حمل الْكَلَام على خلاف مُرَاد قَائِله من غير ضَرُورَة أَو أَن ذَلِك من بَاب عطف الْقِصَّة على الْقِصَّة كَمَا قيل بذلك فِي: وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل، وإنْ توزع بِأَن شَرط ذَلِك تعدد الْجمل فِي الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ، لِأَن هَذِه الْمُنَازعَة على تَسْلِيمهَا لَا تجْرِي هُنَا، وَيَا سُبْحَانَ الله نراهم يوجهون الصِّحَّة فِي مَوَاضِع لَا تحصى مِمَّا هُوَ أدنى من ذَلِك بمراتب عديدة. وعَيْنُ الرِّضَا عَن كل عَيْب كَلِيلَةٌ وَلَكِن عين السُخْطِ تُبدي المساويا ثمَّ رَأَيْت فِي جَوَاب مَوْلَانَا مَا نَصه: فَإِن قلت: هَل يَصح الْعَطف بِالْفَاءِ على أَنَّهَا لمُجَرّد الْعَطف بِدَلِيل رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور فِي (سنَنه) إِذْ فِيهَا الْعَطف بثم. قلت: فرق ظَاهر بَين الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِن رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ بِالْإِحْسَانِ الْعَام حَتَّى يكون فِيهِ عطف الْأَمر بِالْحَدِّ وَالْأَمر بالإراحة من عطف الْخَاص على الْعَام، وَإِنَّمَا فِيهَا الِابْتِدَاء بِالْأَمر بِالْحَدِّ ثمَّ بالإراحة، فالعطف بثم حينئذٍ لَا امْتنَاع فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ من عطف خَاص على عَام، بِخِلَافِهِ فِي رِوَايَة مُسلم فَإِن فِيهَا الْأَمر بِالْإِحْسَانِ أَو لَا وَهُوَ عَام، ثمَّ عطف عَلَيْهِ بعض أَجْزَائِهِ وَهُوَ الْأَمر بِالْحَدِّ والإراحة فامتنعتْ الْفَاء فِيهِ لما تقرر أَن عطف الْخَاص على الْعَام لَا يكون إِلَّا بِالْوَاو، وَحَتَّى، وَلَا يجوز أَن يكون بِغَيْرِهِمَا فَتَأمل ذَلِك فَإِنَّهُ مُهِمّ نَفِيس انْتهى كَلَام مَوْلَانَا. وَفِيه أَمْرَانِ: أَحدهمَا: أَن مَا ذكره فِي السُّؤَال يدل على أَنه يجوز عطف الْخَاص على الْعَام بِالْفَاءِ إِذا كَانَت لمُجَرّد الْعَطف. على أَنهم أطْلقُوا أَن الْفَاء لَا تجوز فِي عطف الْخَاص على الْعَام، فَإِن كَانَ فِي كَلَامهم تَقْيِيد لِامْتِنَاع الْفَاء فِي عطف الْخَاص على الْعَام فَلَا بَأْس بإفادته. وَثَانِيهمَا: أَن رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور وإنْ لم يكن فِيهَا الْأَمر بِالْإِحْسَانِ الْعَام بل الِابْتِدَاء بِالْأَمر بالحدِّ ثمَّ بالإراحة، إِلَّا أَن الإراحة أَعم من الْحَد، فَيلْزم عطف الْعَام على الْخَاص وَهُوَ مُمْتَنع كَعَكْسِهِ، بل هُوَ من خَصَائِص الْوَاو، فَقَوله فالعطف بثم حينئذٍ لَا امْتنَاع فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ من عطف الْخَاص على عَام، يُقَال عَلَيْهِ لكنه من عطف عَام على خَاص وهما سَوَاء فِي الِامْتِنَاع بثم وَالْفَاء، فَإِن ادّعى مَوْلَانَا أَن الإراحة لَيست عَامَّة للتحديد بِأَن يُفَسِّرهَا بِوَجْه لَا يتَنَاوَلهُ كَانَ هَذَا لنا لَا علنيا. فَنَقُول: الْوَاو فِي (وليحد) للاستئناف، وَقَوله: (فليرح) عطف على (وليحد) وَلَا مَحْذُور لِأَنَّهُ لَيْسَ من عطف الْخَاص على الْعَام وَلَا من عَكسه، بل يجوز لنا على قِيَاس هَذَا أَن نفسر الْإِحْسَان بِوَجْه لَا يتَنَاوَل الإراحة، فَلَا يكون متناولًا لَهَا فَيصح عطفها عَلَيْهِ، من غير لُزُوم عطف الْخَاص على الْعَام. فَأجَاب أدام الله النَّفْع بِعُلُومِهِ: لسنا بصدد مَا وَقع وَلَا لنا الْتِفَات إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا نَحن الْآن بصدد بَيَان الْحق فِي هَذِه الْوَاقِعَة مَعَ السَّلامَة بِحَمْد الله
1 / 68