وكان أبو حامد لا يزال واقفا يتشاغل في تدبير مكان يجلس عليه، فلما سمع قول حمدون ابتسم وأظهر الارتياح وجلس إلى جانبه ووضع يده على ركبته وقال: «ولكن ألا ترى صعوبة في تغيير فكر لمياء؟»
قال: «إن لمياء أكثر رغبة منا في العدول عن قتل الخليفة ولا سيما بعد أن تبرع بأن ينوب هو وامرأته عن العريس في تقديم المهر ولا بد أن تكون أم الأمراء قد أخبرت لمياء بذلك وهو يزيدها تعلقا بها ... بالحقيقة إن المعز وامرأته قد بالغا في مجاملتنا وإكرامنا ... أظنني لم أخبرك بما عزما على تقديمه من المهر ...»
فقطع أبو حامد كلامه وهو يروغ كالثعلب، وقال: «أظنهما وعدا بمال كثير وببعض الحلي الثمينة.»
فضحك حمدون وقال بلحن الفائز المعجب: «المال والحلي؟ إن أم الأمراء ستقدم للعروس أحسن ما يرجى تقديمه لمثلها من الأثاث والحلي والثياب وستملأ بيتها من الجواري والخدم و... و...»
فقال أبو حامد - وهو يظهر الاستغراب: «والخدم أيضا والجواري؟»
فابتدره حمدون وهو يقول: «وفوق ذلك أن الخليفة نفسه سيهديها قصرا في المنصورية تقيم فيه مع عريسها ... وسيعدها من أقرب الناس إليه.»
فقال أبو حامد وهو يهز رأسه ويرفع حاجبيه استغرابا: «إن مثل هذا الرجل لا تقدم النفس على أذيته ... صدقت ... ولكن ...»
فسبقه حمدون إلى الكلام قائلا: «ولكن لمياء عالقة القلب بسالم وإذا تم اقترانها ربما تنغص عيشها ...»
فأظهر أبو حامد التألم من فكر خطر له كأنه ابن ساعته، وقال: «سالم ... سالم دعني من سالم، إنه لا يليق بلمياء، وهي لو علمت بما فعله لكرهته ... حتى أنا مع أنه بمنزلة ولدي فقد كرهته.»
فاستغرب حمدون كلامه وقال: «وكيف ذلك؟»
Page inconnue