فقال أبو حامد «أظنك تعنى حديث ...» والتفت نحو الطبيب ولسان حاله يقول: «إن هذا الحديث لا يتلى جهارا.»
وكان كافور يسمع ويرى، فلما رأى إشارة أبي حامد قال: «لا تحتشم من وجود طبيبنا إنه موضع ثقتنا.»
فوقف الطبيب وأظهر أنه مستعد للخروج. فأشار إليه كافور أن يجلس فجلس والتفت إلى يعقوب كأنه يستشيره هل يقول. فقال: «تفضل يا سيدي قل.»
فاعتدل أبو حامد في مجلسه وقال: «إن حديثنا في المرة الماضية لا يحلو تكراره إن لم يكن مشفوعا ببشائر النجاح. وقد جئنا الليلة نحمل بشارة يفرح لها كل مسلم يريد أن يستقر الحق في نصابه.»
فقال يعقوب: «وما ذلك؟»
قال: «قصصت عليكم بالمرة الماضية ما دبرناه في سبيل نصرة الحق بإنقاذ الدولة الإسلامية من أدعياء الخلافة في المغرب؛ أعني القوم الذين انتحلوا لأنفسهم نسبا كاذبا في القيروان وزعموا أنهم من نسل فاطمة الزهراء وهم أدعياء في هذا النسب. إن زعيمهم الذي سمى نفسه المعز لدين الله قد أصبح الآن في عالم الأموات، ولا بد من اضطراب دولته وقيام أمراء كتامة وصنهاجة عليه وإنما نحتاج إلى جند يبعث به الأمير - أعزه الله - إلى أولئك الأمراء هناك حتى يلتفوا حوله ويسلموا الأمر إليه، فيدعى له على منبر القيروان كما يدعى له الآن على منابر مصر والشام والحجاز وحلب وأنطاكية وطرسوس. فيستقيم له الأمر وحده ولا يبقى لمنافسيه هنا مطمع في شيء؛ لأن الباقين من آل الإخشيد غلمان ونساء لا يستطيعون عملا.»
وكان كافور جالسا ينظر إلى أبي حامد وقد بدا الانبساط في وجهه فلما سمع قوله زاد انبساطا لكنه تنهد وقال: «إني لا ألبث أن أعمل بذلك حالما أنهض من الفراش - بإذن الله»، والتفت إلى الطبيب كأنه يستشيره في ذلك.
فقال الطبيب: «قريبا إن شاء الله»، والتفت الطبيب إلى أبي حامد وقال: «يظهر أنك واثق بنجاح هذه المهمة ...»
فقال: «إني لا أقول غير الحق وأنا منذ أعوام أعد المعدات وأهيئ الأحزاب وأجمع الأموال. إني على ثقة من انضمام قبائل البربر كلها في نصرة الأمير أبي المسك - أعزه الله - وإنما كان ينقصنا أن نتخلص من رجلين هناك خدمهما الحظ حينا فغلب عليهما الغرور وقد ماتا الآن.»
قال يعقوب: «من تعني؟»
Page inconnue