فمكثت بانتظاره وكانت الشمس قد مالت نحو الأصيل، وكافور في سرادقه بالبستان الكافوري - كما تقدم.
الفصل السابع والخمسون
سرادق كافور
ثم جاء الطبيب على بغلته وأومأ إلى لمياء أن تتبعه على بغلة ساقها إليها، فركبت وعلقت الجراب في عنقها. ولم يمض كثير حتى أشرفا على البستان الإخشيدي وفيه السرادقات والأعلام وقد وقف الحجاب ببابه والجند حول السرادقات بين ماش وواقف. ولم يدن الطبيب من باب البستان حتى تصدى له كبير الحجاب بلهفة، وقال: «إن الأمير في انتظارك على أحر من الجمر.»
فقال: «كيف هو الآن؟»
فهز الحاجب كتفيه وقال: «يقولون إنه أحسن.»
فارتاب الطبيب بهذه الإشارة لكنه ترجل، وأشار إلى غلامه (لمياء) أن تترجل وتتبعه ففعلت ومشت وهي تراقب كل شيء. فرأت الوجوه متغيرة والقوم هناك يجتمعون ويتفرقون زرافات كأنهم يتساءلون عما سيكون إذا مات كافور. فمرت بين السرادقات في طريق مستقيم يؤدي إلى سرادق كبير مبطن بالحرير الأحمر وقد أرخيت عليه الأستار المزركشة ونصب العلم في قمته. ووقف ببابه حاجبان بلباس خاص وفي يد كل منهما رمح قناته مكسوة بالديباج.
فلما دنا الطبيب من باب السرادق وسع له الحاجبان بدون استئذان؛ لأنهما يعلمان شدة حاجة الأمير إليه فدخل وأشار إلى غلامه (لمياء) أن تدخل معه فلما دخلت كان أول شيء استلفت انتباهها سعة ذلك السرادق (الصيوان) واحمرار باطنه وقد فرشت أرضه بالبسط الجميلة وأقيمت في جوانبه منائر من الفضة قد غرست فيها الشموع ومواقف عليها المباخر يتصاعد البخور من بعضها. وقد علقت على أعمدته الأسلحة من السيوف والأتراس والحراب والأقواس. وفى وسط السرادق دكة فوقها قبة قائمة على أربعة أعمدة كالمظلة، وقد استرسلت الستائر من جوانبها الثلاثة وترك صدرها مكشوفا ليظهر سرير الأمير للداخل من باب السرادق. والسرير مصنوع من الأبنوس المنزل بالعاج مكسو بالفرش الوثير وأصله من أسرة بني طولون.
وكان كافور متوسدا على ذلك السرير، ولكن لمياء لم تره؛ لأنه كان غارقا في الفراش المصنوع من ريش النعام. ورأت إلى جانبي القبة جماعة واقفين باحترام واهتمام علمت أنهم خاصته وأحباؤه غير الغلمان والأعوان.
فأجالت نظرها فيهم؛ لعلها تجد سالما بينهم فلم تجده وأدركت اهتمام القوم من وقوفهم على الأقدام مع وجود المقاعد والأرائك والوسائد لجلوسهم.
Page inconnue