قال: «يبقى أن نستطلع حال المصريين ونتعرف داخليتهم وشئونهم؛ لأننا لم نعلم عنهم إلا ما نتلقفه من أفواه الناس.»
قالت: «أما وقد أشركني أمير المؤمنين بهذا الحديث فأستأذنه في أن أقول إني أضمن له أيضا كشف ما يريد أن يعرفه من الأحوال.»
فرأى الخليفة من لمياء فوق ما كان يتوقعه ولم يصدقه بحذافيره وإنما حمله محمل الاندفاع كما يفعل الراغب في أمر؛ فإنه يراه سهلا لرغبته في الحصول عليه. وهم أن يستزيدها بيانا وإذا بالحاجب دخل وقال: «إن مولاي الحسين بالباب.» فأمر بإدخاله. أما لمياء فلما سمعت اسمه خفق قلبها ولم تعد تخاف خفقانه للحسين بعد أن نفضت يديها من محبة سالم، لكنها تماسكت والتفتت فرأت حسينا دخل وعلى وجهه غبار السفر فعلمت أنه عائد من تلك المهمة.
أما هو فحيا، فأمره الخليفة بالجلوس فجلس ووقع بصره على لمياء فتجاذب قلباهما وتخاطب بصراهما، ولكنه شغل بالتوجه نحو الخليفة، فقال له المعز: «ما وراءك؟ قد أخبرني قائدنا أنك تعقبت أولئك الخائنين ... فعسى أن تكون قد ظفرت بهم وحملتهم إلينا.»
قال: «قد حملت إليكم أناسا وجدتهم قرب المكان الذي كان الخائنون فيه، ولكنهم ليسوا منهم.»
فقال جوهر: «وكيف ذلك يا بني؟»
قال: «قضيت ليل أمس وأنا أبحث في الأماكن التي ينزل فيها الناس أو القوافل في طريق مصر حتى بعدت كثيرا عن القيروان فلم أجد أحدا ...»
فقطع أبوه كلامه قائلا: «أخشى أن تكون قد أخطأت الطريق.»
قال: «بل هي الطريق ذاتها والدليل على ذلك أني رأيت جثة ذلك الرسول وبجانبها جثة قاتله كما قصت خبرها لمياء، وأمعنت في تلك الجهات وبثثت رجالي في كل جهة فأخبرني بعضهم في هذا الصباح أنه رأى آثار معسكر. فسرت إليه فرأيت بقايا قوم كانوا هناك ورحلوا من عهد قريب، ولعله المعسكر الذي كان فيه أولئك الخونة ومع ذلك لم أقنع بما رأيت فواصلت السير إلى عين ماء تنزل عندها القوافل فرأيت قافلة قادمة من مصر أتيت بأصحابها معي؛ لعلنا نستفيد منهم خبرا، إذ توسمت من زخرف فساطيطهم وخيولهم وسائر أحوالهم ما لم أعهده في سواهم من أصحاب القوافل.»
فقال الخليفة: «أين هم؟»
Page inconnue