فعجب عبد الله لهذه الاختلافات وأعجب برغبة هرقل في جمع كلمة رعيته وتحقق ما سمعه عن تأنيه وحزمه ولكنه لم يكن يرجو له الفوز ببغيته لما يعلمه من تمكن الشحناء بين الأحزاب ثم قبل يد البطريرك وخرجا.
وفيما هما عائدان نحو القاعة شاهد الحرس في هرج وبينهم رجل غريب بلباس أهل البادية ليس عليه غير الشملة والعمامة تقلد حساما أعقف وحمل رمحا وحربة وقد علاه الغبار ولوحته الشمس وظهرت على وجهه آثار الأسفار وكان عبد الله خبيرا بقبائل العرب لكثرة اختلاطه بهم فلاح له أن الرجل من أهل الحجاز فعجب لمجيئه وليس في بيت المقدس كله أحد في مثل لباسه وشكله ولولا اشتغاله بأمر نفسه لخلا به وسأله عن حاله ولكنه اضطر لمرافقة البطريرك إلى قاعة الإمبراطور فدخلا وجلس البطريرك في مجلسه ووقف عبد الله في موقفه.
فقال هرقل للبطريرك: «كيف رأيت الرجل؟» قال: «رأيته صادقا وفى لهجته وهو معذور في كتمان أمره وأمر هذا الخاتم وقد أطلعنى على خلاصة حكايته فإذا هي مستقلة عن جلالتكم ولا علاقة لها بالروم قاطبة ولكنه سر مقدس أقسم على كتمانه فلا يستطيع التصريح به إلا في حينه.»
الفصل الرابع عشر
دعوة الملوك إلى الاسلام
فاقتنع هرقل وإلتفت إلى عبد الله وعبد الله مطرق إجلالا ووقارا وقال: «قد أخبرنا غبطة البطريرك بعذرك في الكتمان فصفحنا عنك فكن مطمئنا آمنا.» وناوله الخاتم بيده ونادى الحارث فوقف بين يديه فبلغه عفوه وأمره أن يدفع إليه كتاب الأمان فتقدم عبد الله وجثا أمام الإمبراطور وشكر نعمته وتقهقر يريد الخروج فرافقه الحارث إلى باب القاعة ثم رأى ذلك البدوي قد أذن له بالدخول وفى يده رق من جلد يريد تقديمه إلى الإمبراطور فاعترضه الحارث فقال البدوي: «بيدي كتاب إلى جلالة الإمبراطور أريد تسليمه إليه.» فأخذ الحارث الكتاب فإذا هو مختوم بالطين فقدمه إلى هرقل فاغتنم عبد الله انشغال الحارث وانزوى في بعض جهات القاعة بين الجميع ووقف ينظر إلى ما يكون من أمر ذلك الكتاب.
فرأى هرقل قد فضه وتأمله فلم يستطيع قراءته فناوله إلى ترجمانه فنظر إليه ثم قال: «انه مكتوب بالحرف الكوفي باللغة العربية.»
فقال هرقل: «أتله علينا.» فقرأه فإذا فيه
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم والسلام على من اتبع الهدى أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت فإن أثم الأكابر عليك (الختم)
محمد رسول الله
Page inconnue