فأدرك حماد مرادها ولكنه خاف إذا طال وقوفه أن يخرجه الغرام عما يليق به في ذلك الموقف فتحول لوداع سعدى ثم عاد إلى هند فودعها وتبسم لها فتبسمت مجاراة له ولكن قلبها لم يفرح فقال لها: «ادعي لنا بسلامة العود فإذا عدنا كما أردنا كان حماد أهل لهند فلا تخشى هي أن تذكره ولا تخجل إذا ذكره سواها وأما إذا لم ....»
فقطعت هند كلامه على عجل وقالت وهي تتلجلج بكلامها: «لا تقل (إذا) فإنك ستعود إلينا سالما بإذن الله.» ثم غلب عليها الضعف فتناثرت الدموع من عينيها وهي تحاول إخفاء عواطفها أمام والدتها.
أما سعدى فرأت من الحكمة أن لا تطيل الوقوف على هذه الصورة فقالت: «سر يا ولدي بحراسة الله وهو ينيلك بغيتك على أهون سبيل فتعود إلينا سالما وقد التقيت بوالدك.»
فأثنى على لطفها وودعها وقبل يدها وخرج إلى الحديقة وكان سلمان في انتظاره هناك وقد هيأ الموكب فلما خرج مولاه وسعدى وهند تتبعانه تقدم إليهما وودعهما وهو على غير ما آنساه منه صباح الأمس من انبساط النفس والمجون ولكنه تظاهر بالامتنان والانبساط وأركب حمادا ثم ركب هو وباقي الموكب وخرجوا قاصدين البقاء وهند وسعدى واقفتان تنظران إليهم أما هند فلم يكد حماد يدير عنان جواده حتى غلب عليها اليأس وشعرت بما دبره والدها فتحولت إلى غرفتها وأخذت في البكاء وجعلت تندب سوء حظها وحظ حماد فتبعتها والدتها وهي تخفف عنها وتصبرها بالوعود.
فقالت: «دعيني يا أماه ها قد نفذ السهم وقضي الأمر أن حمادا قد سار إلى مكان لا نرجو عودة منه وقد كان الأجدر بكم أن ترفضوا طلبه بدلا من ارساله في هذه المهمة.»
قالت ذلك وهي تبكي.
فقالت سعدى: «خلي عنك الأوهام أن حمادا شجاع باسل وخادمه سلمان خبير بكل شيء فلا يعسر عليهما العود بالقرطين وفي ذلك فخر لك ولنا ومنجاة من أثقال ثعلبة وأبيه على الأقل.»
فلما سمعت اسم ثعلبة تذكرت ما قاسته من مساعيه فهان عليها ما يقاسيه حماد في سبيل إنقاذها منه فسكتت والهواجس تتقاذفها.
أما حماد فما زال حتى أتى البلقاء وسلمان صامت لا يفوه بكلمة وكان حماد يبالغ في إظهار ارتياحه إلى تلك السفرة وآماله في عواقبها.
وكانت البشائر قد سبقتهما إلى جبلة تنبئه بمجيء حماد والناس يحسبونه أميرا جاء لغرض يتعلق بالحرب لأن الروم كانوا قد خابروا كل القبائل المجاورة يلتمسون نجدتهم في حرب الحجازيين.
Page inconnue