فضحك سلمان وقال: «لا مأرب لي صدقت لا مأرب لي ولكنني أعبر عن عواطف أناس آخرين.» وأشار بطرف عينيه إلى حماد فتبسم حماد وقد توردت وجنتاه ونظر إلى سلمان نظرة التوبيخ.
فإلتفت إليه سلمان وقال: «يظهر أنك لا تريد مقابلة فتاة غسان فإذا كان هذا هو مرادك (أستغفر الله) مما كان أغنانا عن تكبد هذه المشاق وهجرنا الحيرة والعراق.»
فنظرت سعدى إلى سلمان والرزانة والتعقل يتدفقان من وجهها وقالت: «لم ندع ولدنا حمادا إلا ليرى هندا وتراه فإنها ولدانا ولا نجهل أنهما يسران بالمقابلة فلا تكن عجولا أن هندا لا تلبث أن تأتى وتتناول الغداء معنا.»
ثم وقفت وقالت: «وها أني ذاهبة لاستقدامها.» وخرجت.
فلما خرجت إلتفت حماد إلى سلمان واراد معاتبته لما أبداه من الجرأة في خطاب الأميرة سعدى.
فقال: «ولولا ذلك لطال زمن الوحدة ألعلنا جئنا لنأكل ونشرب.»
ثم عاد حماد إلى الأفكار في هند وقرب مجيئها وما سيكون من أمرها ساعة اللقاء فما لبث أن سمع وقع أقدام علم من ازدواجها أن سعدى وهندا قادمتان فتحفز للقيام أما سلمان فوقف بالباب فرآهما قادمتين فتبسم ونظر إلى حماد.
ثم وصلتا إلى باب الغرفة فدخلت سعدى وهند تتبعها مطرقة.
فوقف حماد ومشى لاستقبالها وهو مطرق أيضا ولكنه لم يتجرأ على مصافحتها ولا هي فعلت ولكن قلباهما كانا ولا ريب يختلجان فرحا وكل منهما يتظاهر بالتجلد فتشاغل هو بإصلاح ردائه وإرسال كوفيته إلى كتفه وتلاهت هي بإصلاح قرطها في أذنها ولا تسل عن تورد وجنتيها واصطكاك ركبتيها واختلاج قلبها. وحالما دخلت أشارت إليها والدتها أن تجلس على وسادة بالقرب منها فجلست وجلس الجميع ولبثوا برهة لا يتكلمون وحماد ينظر إلى هند محاذرا فرآها قد تغير حالها عما كانت عليه يوم دير بحيراء فذبل ورد وجنتيها وخف عضلها ولكنه رأى ذلك قد زادها جمالا وهيبة وكانت هي تختلس النظر إليه ولا تكاد تصدق أن والدها رضي لها به ثم يعترضها أمر قرطي ماريا فتوجس خيفة.
ففتحت سعدى الكلام قائلة: «وماذا تم من أمر والدك هل التقيتم به أم عرفتم مقره.»
Page inconnue