قالت وهي تشرق بدموعها: «نعم احبك وأحبها وان كنت ترى في تسليمي لذلك الخائن راحة لك ولعشيرتك فإني راضية بالموت فداء عنك وعنها وهذه روحي بين يديك فافعل بي ما تشاء.»
قالت ذلك وترامت على والدها فضمها إلى صدره والدموع تتساقط من عينيه رغما عنه وجعل يقبلها ويخفف عنها وهو يقول: «لا تجزعي يا هند أني على ما تريدين فهوني عليك واستجمعي حواسك.» قال ذلك وأجلسها إلى جانبه فجلست وهي تجمع شعرها وترسله إلى ظهرها وكان قد مال إلى الأمام عند استلقائها على والدها ولما رأت في والدها هذا الانعطاف تذكرت ما لا يزال في طريقها من العقبات بشأن حماد لعلمها أن والدها سيعظم أمر حماد أكثر ما أعظم أمر ثعلبة فعولت على اغتنام تلك الفرصة وهو في حال الإنعطاف لنيل رضاه عنها فعادت إلى البكاء.
فعجب لبكائها بعد مجاراته لها في العدول عن ثعلبة وكان يظن ذلك كافيا لزوال كل أحزانها فلما رآها تبكى ظنها لم تفهم مراده فقال: «كفى البكاء فقد أغفلنا ثعلبة وطلبه فهدئي روعك.» فلم تزدد إلا بكاء فأدركت والدتها ما في نفسها فأومأت إلى والدها أن يكف عن السؤال هنيهة ودنت من هند وجعلت تمسح دموعها بمنديلها وتقبلها ثم أمسكتها بيدها وخرجت بها إلى غرفتها فلما خلت بها سألتها عن مرادها بذلك فقالت: «دعيني يا أماه دعيني أبكى على صباي فقد أدركت ما جررته على نفسي من البلاء.»
فعلمت أنها تشير إلى أمر حماد وما تخافه من غضب والدها إذا علم بحبها له فقالت: «اشكري الله يا هند إننا قطعنا نصف الطريق بأمان والله يساعدنا على الباقي.»
فقالت هند: «لم نقطع إلا السهل منها وقد بقي الوعر يا أماه.»
قالت: «أن الذي نجانا من ثعلبة لا يبخل علينا بحماد طيبي نفسا وقرى عينا.»
قالت: «لا يطيب لي عيش فقد زهقت روحي قبل أن اقطع السهل الهين وكيف وقد وصلنا إلى العقبة التي أرجو اجتيازها فقد رأيت ما أعظمه والدي من أمر ثعلبة وهو يعلم خساسته ويعتقد بأنه ليس أهلا لي فمن يتجرأ على ذكر حماد أمامه وهو رجل غريب يقول انه لا يعرف أصله ولا فصله آه يا لتعاستي وسوء حظي.»
وكانت سعدى تعتقد مثل اعتقادها وربما خافت أكثر من خوفها ولكنها لما رأت حال ابنتها هان عليها ركوب ذلك المركب الخشن فجعلت تخفف عنها وتنشط آمالها وهند تبالغ في إظهار يأسها.
فقالت سعدى: «خففي عنك وانهضي إلى فراشك وعلي تدبير ما تريدينه ولك علي أن لا يصبح الصباح إلا وقد رضي والدك بكل ما تريدين.»
فلما سمعت هند ذلك شعرت بانتعاش وأحست كأن قلبها انفتح وقد انفرجت الأزمة ولكنها استبعدت ذلك كثيرا فإلتفتت إلى والتها شذرا وتبسمت تبسم طفل نال أمرا كان يتطلبه باكيا فقبض عليه وهو لا يصدق انه ناله فلما رأتها سعدى في تلك الحال زادت انعطافا إليها وابتسمت لها والدموع ملء عينيها وقالت: «هوني عليك فقد قلت لك أني ضامنة لك ما تريدين ألا يكفيك ذلك.»
Page inconnue