والحلاوة وذبح خروفا، وفض بكارة زجاجات خمر عتيقة كان أعدها هدية العيد للمطران أبي نجم، فأحال العسكر ذلك اليوم مهرجانا، فشربوا جميعا على صحة أبينا الخوري الذي قيض لهم زيارة قرية نائية فيها مثل هذه الخمرة الجيدة، والكرم الحاتمي، ولكنهم ما سمعوا باسمها من قبل، فصعبت على المحقق تهجئته. وكان بين العسكر واحد دارس الآجرومية فهجاها لهم.
وكان الكريدي أول الموقوفين: فوصلت إلى أنفه رائحة الخمرة، فهتف بالضابط: دخيلك يا خليل بك كباية واحدة واحبسني شهرين ...
وبعد تلك السكرة كانت التطبيقات دائرة، فجمع أخصام الخوري للقوة خمسين ريالا مجيديا عدا البشالك والزهراويات، وأخذوها على شرط أن يكون التحقيق كما كنا نتهجى صغارا: ألف لا شيء عليه، والباء نقطة من تحت. أي إن كان ولا بد من سوق أحد إلى حبس غزير؛ فليكن الكريدي الذي ألف ذاك المكان، وهم يقدمون له مصروفه حتى العرق والنبيذ. فالكريدي رجل عزب لا خلفه ولا قدامه.
وقبل الانصراف اجتمع قائد الفرقة بالخوري يوسف، وقال له: أنت رجل دارس الشريعة، وتعرف قانون الجزاء بالتمرين، لا شاهد يمكننا الاعتماد على كلامه حتى نسوق هذا الجمهور إلى سجن بعبدا، كما أوصى أفندينا، نصره الله. ومع ذلك حتى لا نذهب بلا أحد نأخذ الكريدي؛ لأنه مشهود عليه أنه حكى كم كلمة.
فقال الخوري: الكريدي هذي المرة بريء، والمجرم طنوس فارس.
فأجابه الضابط: ربما كان طنوس فارس مجرما، ولكن لا شهود عليه، فلا يمكن تكتيفه وأخذه إلى ذلك الجانب حسب أمر سعادة القائمقام.
ولما يئس الخوري من الضابط ركب الفرس كعادته، وسبق العسكر إلى المركز المتصرفي يشكوهم ويجرح تحقيقهم.
وما خرج الكريدي من القبو وشد كتافه حتى سمع يقول: هنيئا للمتهم وهو بريء، ثم صر أصابعه، وأومأ إلى الخوري يوسف متهددا.
فقال له واحد من أهالي الضيعة: فلنفرض أنك بريء هذه المرة ، ولكن صوفتك حمرا في المسروب
21
Page inconnue