Farah Antoun : Sa vie, son œuvre, extraits de ses écrits
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
Genres
فقال كليم: عفوا يا عم، واسمح لي أن أكلمك بحرية. إننا لما نظرناك أول مرة دهشنا لإقامتك منفردا في هذا المكان. أما الآن فيظهر لنا من كلامك أنك في شأن عظيم، فهل تتكرم علينا وتفيدنا شيئا؟
فلما سمع الشيخ هذا الكلام اللين أطرق إلى الأرض بانكسار، وصار يفكر، ثم رفع رأسه وقال: إنني مسرور من لطفك ولين كلامك، وهذه أول مرة في حياتي أرى فيها رجلا عاقلا، ولكن اعذرني فإن سري هائل.
فازداد سليم وكليم رغبة في الوقوف على خبر هذا الرجل الغريب، فقال سليم: نحن أولادك يا عم، فلا تحذر منا.
فلما سمع الشيخ كلمة «أولادك» أجفل ونهض كأن أفعى لسعته، وبدا الغضب في وجهه فقال: لا، لا، ليس لي أولاد، ولا أريد أن يكون لي أولاد.
فقال كليم لرفيقه: لقد هدمت ما بنيناه. ثم التفت إلى الشيخ وقال: الحق أقوله لك يا عم، إنني لا أستطيع كتمان ما في نفسي، فلا تغضب علينا ودعنا نستفيد منك، إنني أرى في أمرك شيئا مدهشا، ويخيل لي أني أقرؤه في عينيك، فأستحلفك باسم الله ألا تحرمنا من الفائدة.
فلما فاه كليم بكلمة «الله» حنا الشيخ عنقه وجثا على الأرض وعفر خده بالتراب وهو مطبق العينين.
فقال كليم لرفيقه همسا: لقد قبضنا على شيء، ثم قال للشيخ: فالله - سبحانه وتعالى - قد هيأ لنا اليوم فرصة لقياك، ولا ريب أن ذلك بتدبير منه وعناية خصوصية، فهل لك أن تطلعنا على سبب إقامتك هنا إنفاذا لإرادة الله؟
فرفع الشيخ رأسه واستوى جالسا ثم قال: نعم، ربما كان لله إرادة بهذا الأمر، ولا أخفي عليكم أنني في الليالي الأخيرة سمعت مرارا صائحا يصيح: لقد انتهى، لقد انتهى.
أجل يا إخوان، لقد انتهى ملك الشر والظلم والكذب والرياء والاعتداء في العالم الفاسد. إن الفأس قد وضعت على أصل الشجرة، فكل شجرة لا تثمر ثمرا صالحا تقطع وتلقى في النار.
انظروا هذه المملكة الواسعة التي أمامنا، هذه هي العالم الحقيقي؛ ولذلك قلت لكم إننا ها هنا منذ تكوين العالم؛ فأنا الآن هنا أكون العالم الحقيقي الذي يسود فيه الخير والصلاح. وقد مرت علي سنوات عديدة أهذبه وأؤدبه، فتم لي ذلك بمعونة الله - تعالى - وإذا فتشتم هذه الأقطار كلها لا تجدون فيها بين سكانها أثرا لفظائع العالم وشروره الهائلة.
Page inconnue