Farah Antoun : Sa vie, son œuvre, extraits de ses écrits
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
Genres
ولكن إذا كان التأويل واجبا، فهو لا يكون في الأصول؛ مثل الإقرار بالله - تبارك وتعالى - وبالنبوات، وبالسعادة الأخروية والشقاء الأخروي، بل يكون في الفروع، وإن كان في الأصول فالمتأول له كافر؛ مثل من يعتقد أنه لا سعادة أخروية ها هنا ولا شقاء، وأنه إنما قصد بهذا القول أن يسلم الناس بعضهم من بعض في أبدانهم وحواسهم، وأنها حيلة، وأنه لا غاية للإنسان إلا وجوده المحسوس فقط.
وإذا تقرر هذا فقط فقد ظهر لك من قولنا أن ها هنا ظاهرا من الشرع لا يجوز تأويله، فإن كان تأويله في المبادئ فهو كفر، وإن كان فيما بعد المبادئ فهو بدعة. وهنا أيضا ظاهر يجب على أهل البرهان تأويله، وحملهم إياه على ظاهره كفر، وتأويل غير أهل البرهان له وإخراجه عن ظاهره كفر في حقهم أو بدعة. وفي هذا الصنف آية الاستواء وحديث النزول؛ ولذلك قال عليه السلام في السوداء إذ أخبرته أن الله في السماء: أعتقها؛ فإنها مؤمنة. إذ كانت ليست من أهل البرهان. والسبب في ذلك أن الصنف من الناس الذين لا يقع لهم التصديق إلا من قبل التخيل؛ أعني أنهم لا يصدقون بالشيء إلا من جهة ما يتخيلونه، يعسر وقوع التصديق لهم بموجود ليس منسوبا إلى شيء متخيل.
المعاد وحملته على الغزالي
ثم إنه بعد هذا التمهيد تناول المسألة الثالثة من مسائل الغزالي؛ أي مسألة المعاد، فقال: يشبه أن يكون المخطئ في هذه المسألة من العلماء معذورا، والمصيب مشكورا أو مأجورا، ثم قال: إن التأويل في هذه المسألة الخطيرة يجب أن يكون في صفة المعاد لا في وجوده، على شرط أن يكون التأويل لا يؤدي إلى نفي الوجود؛ لأن جحد الوجود في هذه كفر؛ لأنه في أصل من أصول الشريعة. وأما من كان من غير أهل العلم فالواجب حملها على الظاهر، وتأويلها في حقه كفر؛ لأنه يؤدي إلى الكفر.
وهنا حمل حملة شديدة على الإمام الغزالي، فقال ما نصه:
ولذلك ما نرى أن من كان من الناس فرضه الإيمان بالظاهر، فالتأويل في حقه كفر لأنه يؤدي إلى الكفر، فمن أفشاه له من أهل التأويل فقد دعاه إلى الكفر، والداعي إلى الكفر كافر؛ ولهذا يجب ألا تثبت التأويلات إلا في كتب البراهين؛ لأنها إذا كانت في كتب البراهين لم يصل إليها إلا من هو من أهل البرهان، وأما إذا ثبتت في غير كتب البرهان واستعمل فيها الطرق الشعرية والخطابية أو الجدلية، كما يصنعه أبو حامد، فخطأ على الشرع وعلى الحكمة، وإن كان الرجل إنما قصد خيرا؛ وذلك أنه رام أن يكثر أهل العلم بذلك، ولكن كثر بذلك الفساد بدون كثرة أهل العلم. وتطرق بذلك قوم إلى ثلب الحكمة، وقوم إلى ثلب الشريعة، وقوم إلى الجمع بينهما. ويشبه أن يكون هذا أحد مقاصده بكتبه. والدليل على أنه رام بذلك تنبيه الفطر أنه لم يلزم مذهبا من المذاهب في كتبه، بل هو مع الأشاعرة أشعري، ومع الصوفية صوفي، ومع الفلاسفة فيلسوف، وحتى إنه كما قيل:
يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن
وإن لقيت معديا فعدناني
نقول: وكأن الفيلسوف قد خشي أن يؤاخذ بما آخذ به الإمام الغزالي؛ لبسطه هو نفسه مبادئ الفلسفة والتأويل في كتب تقع بين أيدي العامة، كما في هذا الكتاب، فقال تبرئة لنفسه: ولولا شهرة ذلك عند الناس، وشهرة هذه المسائل التي ذكرناها، لما استخرنا أن نكتب في ذلك حرفا؛ لأن شأن هذه المسائل أن تذكر في كتب البرهان. ولكن لو عاش الفيلسوف في هذا الزمان ورأى السكك الحديدية التي قربت الأبعاد واختصرت المسافات، والصحافة التي هي السكك الحديدية المعنوية للأفكار، لسرعة نشرها إياها، ومزجها بعضها ببعض من جنوب الكرة إلى شمالها، ومن شرقها إلى غربها؛ لتحقق أن الطريقة التي أشار بها من ستر وجه الفلسفة عن الفئة الكبرى من البشر طريقة لم يكن الكرة الأرضية قادرة على التزامها وقتا طويلا.
رغبته في وضع كتاب مهم
Page inconnue