L'art contemporain : une très courte introduction
الفن المعاصر: مقدمة قصيرة جدا
Genres
استغرق التعافي من انهيار عام 1989 عدة سنوات، وتساءل الكثيرون هل ستستعيد السوق في يوم من الأيام ذروة ازدهار الثمانينيات. في حين أنه في الاقتصاديات النيوليبرالية المتقدمة - لا سيما الولايات المتحدة - كان النمو الاقتصادي قويا بدرجة كبيرة، ففي بلدان أخرى حدثت سلسلة من الكوارث: فوقعت صدمات إقليمية قاسية هددت بانهيار الاقتصاد العالمي في المكسيك (1994)، وجنوب شرق آسيا (1997)، وروسيا (1998)، والأرجنتين (2002). إن تصورات هذه الفترة متنوعة على نحو مذهل، إذ تركن إلى الموقع الذي تنظر منه إلى تلك الفترة، من منظور الولايات المتحدة في أكثره، كانت فترة نمو مستدام وانخفاض للبطالة، ومن منظور المناطق التي مرت بالأزمات الإقليمية، كانت فترة كارثة اقتصادية، صاحبها في الغالب اضطرابات اجتماعية وسياسية وكوارث بيئية. انعكس هذا الانقسام بوضوح في الأنواع المختلفة للفن الذي أنتج في كل منطقة.
هذا لا يعني أن الفن في المناطق المضطربة عكس فحسب تلك الاضطرابات، لنأخذ المكسيك كمثال: في الأعوام التي تلت اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية
NAFTA (نافتا)، والتي خلقت تكتلا تجاريا بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا عام 1992، كان الفن المكسيكي الذي حظي بأكبر نجاح في السوق الدولية تهكميا وفارغا من المحتوى السياسي، رغم الخراب الكبير والمقاومة الثورية في البلد نفسه. أشارت كوكو فوسكو إلى أعمال جابرييل أوروزكو، وفرانسيس أليس، وميجيل كالديرون كنماذج، واصفة محاولة إدخال الفنانين الشباب الملهمين من الناحية المفاهيمية في السوق العالمية، بالتعاون مع المؤسسات الأمريكية؛ وبالتالي ترويج صورة محدثة للثقافة المكسيكية. تصف سينثيا ماكملين كيف أن هذا التحول جاء تحت قيادة إيميليو أزكاراجا - مؤسس شركة تيليفيزا، وأحد أشهر منتجي المسلسلات الاجتماعية بالمكسيك - بالمركز الثقافي للفن المعاصر بمكسيكو سيتي الذي يمتلكه. ارتبطت شركة تيليفيزا بحزب بي آر آي، الحزب الحاكم بالمكسيك على مدار سبعين عاما حتى سقوطه عام 2000، وكانت المصالح التجارية والفن مترابطين على نحو وثيق؛ لذا، عندما شهدت المكسيك أزمة اقتصادية عنيفة منذ عام 1994 فصاعدا - أغرقت أكثرية السكان في فقر مدقع وصل إلى حد المجاعة - استمرت سوق الفن المكسيكي المعاصر، الذي أصبح دوليا وارتبط بالمؤسسات متعددة الجنسيات، في انطلاقتها رغما عن ذلك. لم يكن بعض من هذه الأعمال معتدلا ومنعزلا فحسب، لكن أيضا كان معاديا على نحو فعال للمشاركة السياسية الشعبية؛ إذ أظهر حدث فرانسيس أليس وفيديو «قصص وطنية» (1997) خرافا مساقة في دوائر حول سارية علم عملاقة تقف في مركز ساحة زوكالو، الموقع التقليدي للحشود السياسية في مكسيكو سيتي.
شكل 4-2: فرانسيس أليس، «زوكالو».
2
كان لفقاعة نمو البورصة في التسعينيات، المرتبطة على وجه الخصوص بصناعات التكنولوجيا المتقدمة، أثرا تضخميا على أسعار الأعمال الفنية. تحققت مبالغ قياسية بالمزادات على مدار أواخر التسعينيات، وعندما انفجرت الفقاعة مرة أخرى - في أعقاب انهيار سعر أسهم الشركات المعتمدة على الإنترنت، والفضائح المحاسبية (من بينها تلك الخاصة بشركة إنرون)، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر - تراجعت السوق الفنية وقطاع المتاحف أيضا، رغم أن تأثير التراجع حتى الآن كان أقل حدة من الركود السابق.
مع امتداد أمد الركود الاقتصادي، تبددت القناعات الظاهرية للعقد الماضي، وحتى تعاظم القوة الاقتصادية الأمريكية ربما يكون وهما. استخدم روبرت برينر، في كتابه نافذ البصيرة «الازدهار والفقاعة»، تحليلا بعيد المدى للموقف النسبي للكتل التجارية الصناعية العظمى منذ الحرب العالمية الثانية بغية إظهار أن الولايات المتحدة ضحت في بعض الأحيان بالمكسب الاقتصادي القريب (على سبيل المثال، من خلال حفاظها على قوة الدولار) في سبيل حصد فوائد تطور الاقتصاديات في بلدان أخرى على المدى البعيد، وخصوصا في ألمانيا واليابان. أسفر انحسار السخاء الاستراتيجي في التسعينيات عن صعود مؤقت في فرص تفوق الولايات المتحدة وتراجع تلك الخاصة بشركائها التجاريين الرئيسيين، في تطور أدى إلى قدر كبير من التخويف من رجحان كفة النموذج الاقتصادي النيوليبرالي. مع ذلك، مع مواجهة الركود في الولايات المتحدة، الذي تسبب فيه انهيار فقاعة الإنترنت، والفضائح المالية، وأخيرا الحرب، مقرونا بالكساد طويل الأمد في أوروبا وشرق آسيا، تطور موقف منذر للغاية.
إذا كان قد جرى التخفيف من آثار الركود على السوق الفنية حتى الآن، ولم تصل إلى مستويات انهيار عام 1989، فهذا يعود إلى أن أسعار الفائدة المنخفضة للغاية تجعل من الفن استثمارا أكثر جاذبية. كما شاهدنا، تسبب الركود الأخير في موجة من اختفاء الفنانين نتيجة لتغير المناخ، وهو ما تزامن مع موت الكثير من فطاحل التعبيرية الجديدة الأمريكان والألمان. أما الركود الجديد، وهو أضحل لكنه أطول أمدا، ربما ينتهي به المطاف بفعل الأمر نفسه. إذا كان الركود طويل الأمد - الذي يرجع في جزء منه لاتساع نطاق الاقتراض الأمريكي وطابعه المنهجي (الذي ازداد نتيجة للاقتطاعات الضريبية والإنفاق العسكري الضخم تحت إدارة الرئيس بوش) - متوقعا؛ فمن ثم سيصبح الطابع الكامل للسوق الفنية ومنتجاتها عرضة للتغيير مرة أخرى.
ربما تكون السوق الفنية غير مألوفة للمشترين، لكنها غريبة بالمثل للمنتجين. وفقا لهانز آبنج، تحكم الخواص الفريدة للسوق على الأغلبية العظمى من الفنانين بالفقر المدقع. ورغم أن مكانة المهنة رفيعة للغاية (جزئيا؛ لأنها تدعي أنها منعزلة عن المسار العام للتجارة) ودخول قلة من الفنانين الناجحين فلكية، فإن الطبيعة الإجمالية لاقتصاد الفنون تتنصل منها الأطراف المشاركة فيه، لا سيما الفنانين، ممن يغضون الطرف أو ينكرون توجههم نحو المكافأة المالية. إن الفنانين يجهلون على نحو استثنائي احتمالات نجاحهم، وهم عرضة للمجازفة، وفقراء لكن ينحدرون من أسر ثرية (وهي حالة شاذة؛ لأن معظم الفقراء ينحدرون من أوساط فقيرة، لكن ليس على المرء التنقيب أكثر عن السبب وراء ذلك)، ويميلون إلى دعم أعمالهم الفنية من إيرادات أخرى. إن هذه العوامل، على حد زعم آبنج، تتسبب في أن يصير العالم الفني مزدحما، وتجعل من فقر الفنانين سمة هيكلية (في المملكة المتحدة، تضاعف عدد طلاب الفنون الجميلة الملتحقين بالكليات كل عام ثلاث مرات منذ عام 1981، متجاوزا بكثير الزيادة العامة في أعداد الطلاب). إن فقر الفنانين يسهم في مكانة الفنون؛ نظرا لأن النجاحات القليلة يجب أن ينظر إليها على أنها منتقاة من مجموعة شاسعة، ويجب النظر إلى كافة الفنانين على أنهم يخاطرون بحياة الفقر في سعيهم وراء حرية التعبير.
يذكر آبنج أن سمات هذا الاقتصاد تشبه عصر ما قبل الرأسمالية، من ناحية أهمية الهبات والرعاية، والدور الذي تلعبه تلك الشخصيات في منحها. غير أن سمات أخرى تذكرنا أكثر بالمرحلة المبكرة من الرأسمالية، وعلى وجه التحديد النسبة الضئيلة للنجاحات إلى الإخفاقات. بوجه عام، إن السوق الفنية حيز مغلق عتيق ومصون، ومحصن حتى الآن من رياح الحداثة النيوليبرالية التي اجتاحت الكثير من الممارسات الأقل تجارية الأخرى. إن مكانة الفن تمنحه التميز الاجتماعي وشيئا من الاستقلالية، حتى في بعض الأحيان من السوق الغريبة التي تشكل أساسه.
Page inconnue