للبيت خصوصية عائلية يحس بها أعضاؤه فيما يشبه المؤامرة؛ وذلك أن لهم أسرارا وأهدافا وأساليب يتفقون عليها في مجتمعهم الصغير ولا يفشونها لغيرهم. وهذه الخصوصية تربطهم وتزيد إحساسهم العائلي.
ولكن البيت يجب ألا يستأثر بعلاقاتنا الاجتماعية، ومهما نمتدح ارتباط الأبناء بالآباء، والزوج بزوجته، ومهما يكن الجو العائلي من حيث التعلق الحميم بين أعضاء البيت؛ فإن البيوت تحتاج إلى تهوية اجتماعية بالضيافة والزيارة، والمبالغة في الارتباط العائلي هي شطط الفضيلة؛ فضيلة التعلق العائلي.
ولكل فرد منا حياة سرية أو كالسرية؛ كأنها العقل الكامن في النفس يوجهنا من حيث لا ندري، ولكل منا أيضا حياة اجتماعية علنية كأنها الوجدان الذي ينتقد ويحاسب ويراجع.
والحياة السوية هي تلك التي تصالح بين الكامنة والوجدان وتوفق بينهما؛ ففي البيت نحن نختمر ونتهيأ، وفي المجتمع نحن نتكشف ونباشر، ويجب لذلك أن نعنى بالضيافة والزيارة؛ لأنهما وسيلة الاتصال بين البيت والمجتمع.
يجب أن نعنى بالبيت أجل العناية؛ حتى نجعله متحفا يحوي تراث الجدود، وطرف الحضارة، وألوان الرفاهية، ولكن يجب أن نتوقى حبسة الجدران؛ لأنها تحبس النفس عن التوسع والنمو والترقي.
ولذلك نصحنا بضرورة الخروج من وقت لآخر إلى المطاعم العامة أو المتنزهات الخلوية، ولذلك نصحنا أيضا بضرورة التخفيف من أعباء البيت حتى لا يستحيل إلى ورشة لا ينقطع العمل فيها للطبخ والغسل.
والضيافة من الفنون الراقية التي يجب أن نفصلها من فضيلة الكرم؛ ذلك لأننا نقرن الكرم إلى الموائد المطهمة وألوان الطعام السخية.
والضيافة العصرية بعيدة كل البعد عن هذا الشره المادي، وقد أنارتنا السيدة نظلة الحكيم في محاضرات مختلفة عن الضيافة العصرية التي يجب أن يكون هدفها ترقية العائلات بالتعارف والتنوير.
وفي مدينة مثل القاهرة؛ حيث تتعدد المطاعم وتختلف على موائدها الألوان لا يكون من مفاخر ربة البيت أن تعد لضيوفها مائدة يتوسطها الدندي، وتحتشد عليها اللحوم والحلويات، ويستطيع وجيه في الريف أن يزودنا بهذه المائدة المادية، ولكنه يعجز عن إمتاعنا بالضيافة المهذبة المنيرة.
وخير من العناية بالطعام أن نعنى بالأثاث في إيجاد مقاعد مريحة للضيوف لا تكون للزينة ولكن للراحة.
Page inconnue