ولذلك ارتقت بعض المطاعم في أوروبا حتى ليصح أن يقال إنها ليست لتزويد زائريها بالطعام فقط؛ إذ لا يخلو مطعم منها من جوقة موسيقية، كما أنها في ترتيب موائدها، واختيار آنيتها، وتزيين جدرانها، والتأنق في الطبخ تبلغ القمة. وتناول الطعام فيها ليس لتوخي الشبع المعدي، ولكنه قبل ذلك متعة فنية أنيقة. وكثيرا ما تعود الزوجة من المطعم وقد درست درسا نافعا في طبخ أحد الألوان، أو ترتيب المائدة، وهذا إلى فوائد أخرى في الاختلاط بالأصدقاء أو الاستماع للموسيقى.
كما أن الأطعمة المعلبة تتنوع وتتعدد إلى حد لا نتخيله في مصر؛ حيث نكاد نقتصر من هذه الأطعمة على السردين؛ فإنهم في أوروبا وأمريكا يعلبون جميع اللحوم والخضراوات والأسماك، فتستطيع ربة البيت أن تحضر طعام اليوم كله دون أن تحتاج إلى طبخ، بل إن كيزان الذرة نفسها توضع في علب. وزيادة على هذا تباع الفراخ منظفة، فلا تحتاج إلى عناء الذبح والتنظيف في البيوت كما هي الحال عندنا؛ حيث نشتري الفراخ حية ونذبحها، ونحيل المطبخ بريشها وأحشائها إلى مزبلة.
وإذا شئنا الترفيه عن المرأة المصرية في البيت حتى تجد الفراغ الذي تحتاج إليه كي ترقي شخصيتها، وتنير ذهنها، وتوسع آفاقها، فإننا يجب أن نعاونها على ذلك بغشيان المطاعم، والاعتماد على الأطعمة المعلبة، وإحالة الغسل إلى المغاسل، كما نحيل الكي إلى المكاوي. وبهذا تخف أعباء البيت التي ترهق في الوقت الحاضر آلافا من نساء الطبقة المتوسطة.
وبالطبع لا ننسى هنا كثرة الأولاد؛ أي الإسراف في التناسل الذي يرهق الأمهات، ويستنفد كل مجهودهن، بحيث لا يبقى لهن من القوة ما يتوفرن به على عمل آخر. وقد توافرت وسائل الضبط للتناسل، كما أصبحت مأمونة، ولا عذر للزوجين في إهمالها؛ لأن هذا الإهمال سينعكس أثره في الزوجين اللذين سوف تصدمهما حقائق الحاجات الاقتصادية، فيعجزان عن توفير الصحة والتربية للأولاد، بل أيضا لهما؛ لأنهما هما أيضا في حاجة إلى صحة وتربية.
وعلى ذلك نقول: إن الحياة الفنية للمرأة إذا لم تكن تعمل مستقلة؛ أي طبيبة أو معلمة أو ممرضة أو تاجرة، تحتاج إلى الاقتصاد في عمل البيت من ناحية، وفي عدد الأولاد من ناحية أخرى.
العادات
نحن نعيش بالعادات: عادات العمل، وعادات الفكر، ولكل منا عاداته الخاصة؛ الحسنة أم السيئة؛ في المشي والحديث والأكل والتفكير؛ أي إنه يتخذ أسلوبا أو أساليب في كل ما يعمل، وهذه الأساليب تلصق به طوال عمره.
وقد كان ولنجتون يقول عن العادة: إنها ليست طبيعة ثانية كما هو المثل الجاري؛ إذ هي تزيد على الطبيعة عشر مرات.
وعادات التفكير لا تقل خطورة عن عادات العمل؛ فإن الناس يختلفون تفاؤلا أو تشاؤما بالدنيا وصروفها لعادات فكرية تعودوها، ولا يطيقون التخلص منها. وكلنا يعرف ذلك الشاب الذي يتسم بالتهكم أو المزاح، فيثقل علينا باستصغاره لكل ما نفعل، أو يملؤنا طربا بنكاته ونوادره، وهناك بالطبع ذلك الآخر الذي تعود الوقار فيكاد يجهل الضحك، ثم هناك آخرون قد تعودوا الانتقاد، أو حتى المنافرة؛ فهم على الدوام في موقف المعارضة والمناقضة، ثم هناك ذلك الذي تعود المخاصمة فلا نعرف كيف نحادثه؛ لأننا نتوقع منه كل وقت لوما لنا في غير ما نستحق أن نلام عليه.
وجميع هذه الأخلاق عادات ذهنية يتعودها أحدنا في الغالب أيام طفولته، فتثبت ولا تتركه طوال حياته.
Page inconnue