. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
= وقد أوضح الإِمام الحافظ شمس الدِّين ابن قيِّم الجوزية تعلُّق الروح بالجسد ووجودها في البرزخ بأحسن تفصيل حيث قال: عَرضُ المقعد لا يدلّ على أنَّ الأرواح في القبر ولا على فنائه، بل على أن لها اتِّصالًا به؛ يصح أن يُعرضَ عليها مقعدها، فإنَّ للروح شأنًا آخر فتكون في الرفيق الأعلى وهي متَّصلة بالبدن، بحيث إذا سَلَّم المسلم على صاحبه ردَّ ﵇، وهي في مكانها هناك. وهذا جبريل ﵇ رآه النبي ﷺ وله ستمائة جناح منها جناحان سدَّا الأُفق، وكان يدنو من النبي ﷺ حتى يضع ركبتيه على ركبتيه ويديه على فخذيه، وقلوب المخلصين تتَّسع للإِيمان بأنه من الممكن أنه كان هذا الدنوّ وهو في مستقرّه من السموات.
وإنما يأتي الغلط هنا من قباس الغائب على الشاهد، فيعمد أنَّ الروح من جنس ما يُعهد من الأجسام التي إذا شغلت مكانًا لم يمكن أن تكون في غيره، وهذا غلط محض. وقد رأى النبي ﷺ في ليلة الإِسراء موسى قائمًا يصلِّي في قبره ويرد على من يسلِّم عليه وهو في الرفيق الأعلى، ولا تنافي بين الأمرين فإن شأن الروح غير شأن الأبدان.
وقد مثَّل ذلك بعضهم بالشمس في السماء وشعاعها في الأرض، وإن كان غير تام المطابقة من حيث أنَّ الشعاع إنما هو عَرَض للشمس وأما الروح فهي نفسها تنزل. وكذلك رؤية النبي ﷺ الأنبياء ليلة الإِسراء في السماوات، الصحيح أنه رأى فيها الأرواح في مثال الأجساد مع ورود أنهم أحياء في قبورهم يصلُّون.
وقد قال النبي ﷺ: "مَن صلَّى عليَّ عند قبري سمعته ومن صلَّى عليَّ نائيًا بلغته"، وقال: "إن الله وكَّل بقبري ملكًا أعطاه أسماع الخلائق فلا يصلِّي عليَّ أحدٌ إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه". هذا مع القطع بأنَّ روحه في أعلى علِّيِّين مع أرواح الأنبياء وهو الرفيق الأعلى.
1 / 46