على أقْرانه، متفردًا بهذا الفن في زمَانه، بصيرًا بذلك، سديدَ النظرِ في تلك المسالك، لا يُشَقُّ له غبارُ، ولا يَجْري معه سواه في مضمار.
وكانَ حسنَ الاستنباط للأحكام والمعاني من السُّنَّة والكِتاب، بِنُكَت تسْحَر الألباب وفكر يستفتح له ما يستغلق على غيره من الأبواب، مبرّزًا في العلوم النَقْلية والعقلية والمسالك الأثرية والمدارك النظرية.
فهو العالمُ العاملُ المرشدُ المربِّي المكمِّل الكامل، ذو الأخلاق الرضيّة المرضيّة، والأفعال السُنِّية السَّنية، المشهورُ علمُه وإمامتُه وجلالتُه، وزهدُه وورعُه وعفتُه وصيانتُه، المعرِضُ عن الدنيا وعن زينتِها، وعن أهلها ونعيمها ولذَّتها.
لم يزلْ طولَ عمره متنزِّهًا في رياضِ العلوم والمعارف، مقتطفًا من أوراقها ثمراتِ الحِكَمِ واللطائف، حريصًا على سلوكِ طريقةِ أهل السُّنَّة والجماعة، مواظبًا على الخير، لا يَصْرِفُ من أوقاتها ساعةً في غير طاعة، محافظًا لأزمانه وأوقاتِه، مقبِلًا على طاعاتِ ربّه وعِباداته، عارفًا بمذاهبِ العلماء المشهورة.
حَسَنَ الصِّيتِ والسِّيرة، نيِّرَ القلبِ والسَّريرة، والعلوم الرفيعة، والفنون البديعة، والتصانيف الباهرة الفائقة، والتآليف الزَّاهرة الرَّائقة النَّافعة الحميدة، والجامعة المفيدة، التي انتشرت في غالب الأَقطار، وعمَّ النفعُ بها في أكثرِ الأمصار، وسارتْ بها الركبانُ، واشتهرت بأقاصي البلدان، حتّى صارتْ كالبدرِ في الإِشراق، وتلقّاها النَّاس بالقَبُول في سائر الآفاق. وظهرَ علمُه فيها، وشَهِدَ له به أهلُ الوِفاق والافتراق، وبلغتْ عدةُ ما أثبتَه منها في فِهرست مؤلفاته إلى وقْتِ السِّياق، نحو خمسمائة وخمسين مؤلَّفًا ممَّا رقَّ وراق، وتشرَّفت بكتابته الدفاتر والأوراق.
1 / 13