La dimension sociale et politique dans la philosophie d'Ibn Sina
الناحية الاجتماعية والسياسية في فلسفة ابن سينا
Genres
على أنه بسبب نزعته العملية أيضا، ولأنه عرف الزمن ونوازله، وعرف أن لكل وقت أحداثه وأحكامه التي تناسبه وبها تصلح أمور من يعيشون فيه؛ رأى أنه «يجب أن يفوض كثير من الأحوال إلى الاجتهاد، خصوصا في المعاملات التي تكون بين الناس بعضهم وبعض، فإن للأوقات أحكاما لا يمكن أن تضبط.»
وأخيرا، لا ينسى الشيخ الرئيس أن من الناس من لا يساعدهم استعدادهم الفطري على معرفة الخير والشر في الأخلاق والعادات؛ لذلك يكون على الشارع أيضا أن يتعرض في شريعته لهذه الناحية، فيسن «أيضا في الأخلاق والعبادات سننا تدعو إلى العدالة»، ويعني بها التوسط بين الطرفين اللذين كلاهما ذميم.
والسعادة تكون في التخلق بهذه الأخلاق الفاضلة، وبالجمع بين شطري الحكمة النظرية والعملية، ومن فاز، مع ذلك، بالخواص النبوية «كاد - كما يقول ابن سينا - أن يصير ربا إنسانيا، وكاد أن تحل عبادته بعد الله تعالى، وكاد أن يفوض الله أمور عباد الله، وهو سلطان العالم الأرضي وخليفة الله فيه.»
هكذا ختم فيلسوفنا كتابة الشفاء، أي بالإشارة إلى أن الخير للعالم لا يكون على تمامه إلا إذا حكم الفلاسفة أو تفلسف الحكام، وما أجل ذلك من ختام لأكبر عمل قام به أكبر فيلسوف في الإسلام!
مقارنات وتعليقات
(1)
هذه الفكرة، وهي أن الإنسان مدني بالطبع، لا يستطيع أن يعيش وحده، نجدها قبل ابن سينا لدى الفلاسفة والمفكرين الذين نظروا في الاجتماع. فأفلاطون في المقالة الثانية من الجمهورية يرى أن الاجتماع ظاهرة طبيعية سببها عجز الفرد عن القيام بكل حاجاته العديدة وحده، وكذلك نراها لأرسطو في المقالة الأولى من كتاب السياسة؛ إذ يقرر أن الذي لا يحتاج لغيره هو إما بهيمة أو إله. هذا في القديم، وفي الحديث نجدها أيضا لدى مسكويه؛ إذ يرى في كتابه «الفوز الأصغر» ص62، طبعة بيروت، سنة 319ه، أن الإنسان اجتماعي بالطبع، أي إنه «لم يخلق خلق من يعيش وحده ويتم له البقاء بنفسه»، وإذا كان الأمر كذلك فمن العدل أن «نعين الناس بأنفسنا كما أعانوننا بأنفسهم، ونبذل لهم عوض ما بذلوا لنا.» ص64. وأخيرا، نرى الفارابي المعلم الثاني يقرر نفس الظاهرة، فيرى أنه «لا يمكن أن يكون الإنسان ينال الكمال الذي لأجله جعلت له الفطرة الطبيعية، إلا باجتماعات جماعة كثيرة متعاونين، يقوم كل واحد لكل واحد ببعض ما يحتاج إليه في قوامه». آراء أهل المدينة الفاضلة، مطبعة النيل بمصر، ص77. (2)
حقيقة، لقد استلهم ابن سينا أفلاطون في هذه الناحية في كتاب «الجمهورية» المقالة الثانية، وظاهر أن كليهما نظر في هذا إلى الإنسان وقواه الثلاث، وإلى الترتيب الطبيعي الواقع في أية مدينة من المدن. إلا أن الشيخ الرئيس خالف فيلسوف الأكاديمية فيما رآه من وجوب الشيوعية في المال والنساء بالنسبة للحراس، نعني الحكام والجند، فلا يملكون شيئا كما يقول في المقالة الثانية من الجمهورية، وكذلك لا يكون لأحد منهم أسرة خاصة كما يقول في المقالة الخامسة. ونعتقد أن ابن سينا، وقد اتبع في ذلك الشريعة الإسلامية، تأثر أيضا بأفلاطون نفسه حين رجع عن هذه الشيوعية في كتاب «القوانين» المقالة الخامسة، وبأرسطو حين نقد رأي أستاذه ولم ير التضحية بالملكية والأسرة في سبيل الدولة، وحين قرر أن الشيوعية في النساء - وما يكون عن ذلك من أولاد - تضر ضررا كبيرا، مثلها في هذا مثل الشيوعية في المال، وبخاصة والمال، كسائر الخيرات الخارجية، لا بد منه لتمام فضيلة المرء ليستعين به على معالي الأمور. انظر في هذا كله كتاب السياسة المقالة الثانية. (3)
قتل الميئوس من صلاحه، أو ناقص التركيب، أو المريض الذي لا رجاء في شفائه، أو عديم النفع لأي سبب كان؛ فكرة كانت من المسلمات عند كثير من مفكري العصر القديم. نجدها عند مفكري إسبارطة، وعند أفلاطون في المقالة الخامسة من «الجمهورية»، وعند تلميذه المعلم الأول في كتاب «السياسة»، وقد أحسن جدا ابن سينا حين أعرض عن هذا الرأي.
إنه رأى بلا شك في ذلك انتهاكا لحرمة النفس الإنسانية بلا ذنب جنته، وبخاصة وتكاليف حياتهم - كما يقول - لا تثقل المدينة. وهنا لا يسعنا أن نمر دون أن نلاحظ أن الشريعة الإسلامية أوجبت على الأب نفقة ولده الصغار الفقراء، وكذلك الأولاد الكبار الإناث مطلقا أو الذكور العاجزين عن كسب حياتهم بسبب كبر السن ونحوه، وكذلك أوجبت على المرء نفقة ذي الرحم المحرم منه، الصغير أو الأنثى مطلقا أو الكبير العاجز عن الكسب بنحو زمانة وعته وفلج. انظر في هذا كتاب «حاشية ابن عابدين» على كتاب «رد المحتار على الدر المختار»، ج2، 727 و728، وكذلك ص62 و63 من الجزء نفسه، بخصوص أن نفقة الفقراء الذين لا أولياء لهم تكون في بيت المال، والزيلعي «شرح الكنز» الطبعة الأولى ببولاق القاهرة، سنة 1313ه، ج3، 59 و62 و64. وبدهي تأثر الشيخ الرئيس في رأيه ذلك بالشريعة الإسلامية. (4)
Page inconnue