قال رنان: ويؤخذ من رأي ابن رشد في المملكة أن استغناءها عن القضاة والأطباء كان عنده خير دليل على انتظام شئونها، أما الجيش فلا وظيفة له غير حماية الشعب وحفظه. ولذلك فقد كان يكره الاستبداد العسكري والإقطاعات العسكرية.
أما رأيه في النساء؛ فهو منطبق كل الانطباق على رأي جناب قاسم بك أمين مؤلف كتاب (تحرير المرأة والمرأة الجديدة)؛ فإنه يرى أن الاختلاف الذي بين النساء والرجال إنما هو اختلاف في الكم لا في الطبع. أي أن النساء طبيعتهن شبيهة بطبيعة الرجال، ولكنهن أضعف منهم في الأعمال. والدليل على ذلك مقدرتهن على جميع أعمال الرجال كالحرب والفلسفة وغيرهما، ولكنهن أضعف من الرجال فيها. على أنهن قد يفقن الرجال في بعض الأمور كفن الموسيقى مثلا، ولذلك كان الفيلسوف يرى أن كمال هذا الفن في أن يكون الواضع أو المؤلف رجلا والموقع أو المنشد امرأة. وقد دلت حالة بعض البلاد في المغرب (أفريقيا) على أن النساء قادرات كل القدرة على الحرب ولذلك لا خوف على المملكة من قبضهن على أزمة الأحكام فيها.
5
وقد كان ابن رشد يستشهد على صحة قوله هذا بإناث الكلاب التي تحرس الغنم حراسة شديدة. كحراسة الذكور. وهو يقول في هذه المسألة الخطيرة ما خلاصته: «إن معيشتنا الاجتماعية الحاضرة لا تدعنا ننظر ما في النساء من القوى الكامنة. فهي عندنا كأنها لم تخلق إلا للولادة وإرضاع الأطفال، ولذلك تنفي هذه العبودية كل ما فيها من القوة على الأعمال العظيمة. وهذا هو السبب في عدم وجود نساء رفيعات الشأن عندنا. وفضلا عن ذلك؛ فإن حياتهن أشبه بحياة النبات وهن عالة على رجالهن، ولذلك كان الفقر عظيما في مدننا؛ لأن عدد النساء فيها مضاعف عدد الرجال وهن عاجزات عن كسب رزقهن الضروري.
ومن رأي ابن رشد أن الحاكم الظالم هو ذلك الذي يحكم الشعب من أجل نفسه لا من أجل الشعب. وإن شر الظلم ظلم رجال الدين. وإن أحوال العرب في عهد الخلفاء الراشدين كانت على غاية من الصلاح. فكأنما وصف أفلاطون حكومتهم لما وصف في «جمهوريته» الحكومة الجمهورية الصحيحة التي يجب أن تكون مثالا لجميع الحكومات، ولكن معاوية هدم ذلك البناء الجليل القديم، وأقام مكانه دولة بني أمية وسلطانها الشديد. ففتح بذلك بابا للفتن التي لا تزال إلى الآن قائمة قاعدة حتى في بلادنا هذه (الأندلس).
خاتمة الكلام في فلسفته (ونسبتها إلى فلسفة أرسطو)
هذا ما رأينا ذكره في هذا الباب بشأن فلسفة ابن رشد. وقد تناولنا كل فقرة من الفقرات المنشورة في صدر هذا الباب نقلا عن «الجامعة» وشرحناها شرحا وافيا. فإذا أخذت الآن كل فقرة منها وعرضتها على الفقرة التي شرحناها فيها؛ اتضحت لك صحة كل ما نشرناه أول مرة عن فلسفة هذا الفيلسوف.
بقي علينا أن نظهر ما في فلسفة ابن رشد من الموافقة لفلسفة أرسطو، وما فيها من المخالفة التي نشأت عن الزيادة عليها فنقول.
إن فلسفة العرب في مسألة «العقول» تنقسم إلى خمسة أقسام :
القسم الأول:
Page inconnue