Philosophie des sciences au vingtième siècle : origines, récoltes et perspectives futures
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Genres
وفي الكتاب الثاني من «الأورجانون الجديد» يعرض بيكون للجانب الإيجابي من منهجه، أي لقواعد التجريب، وقد أسماها «صيد بان»، و«بان
» هو إله الصيد عند الإغريق، قيل: إنه ابن زيوس من إحدى حوريات الطبيعة الأركاديات وتدعى كاليستو
Calisto ، فتعود أصول «بان» وعبادته إلى الأركاديين القدامى الذين يمثلون الجانب الرعوي الريفي في حضارة الإغريق، حيث الطبيعة الخالصة، إنه إله البراري والتلال والغابات والوديان والرب الحامي لأسراب الطيور وقطعان الحيوانات، وللرعاة والقناصين، وكانوا يتصورونه ذا أنف أفطس ولحية كثة، وشعر أشعث، وله قدما ماعز، يجول أثناء النهار في البراري والوديان ليحمي القطعان، خصوصا قطعان الماعز، ويطارد الحيوانات الضارية التي تهددها، وفيما بعد أصبح «بان» رمزا للكون الطبيعي بأسره، وتركزت عبادته في الريف،
12
وتبدو براعة هذه الاستعارة واضحة جلية، فهي تحمل تمثيلا لهاجس الطبيعة المسيطر على الأذهان. وبيكون يقصد منها أن ممارسة المنهج التجريبي تغتنم معارف تماثل ما يغتنمه إله الصيد حين يمارس الصيد!
وهذا الجانب الإيجابي في منهج بيكون ينقسم بدوره إلى قسمين أو مرحلتين: المرحلة الأولى هي إجراء التجارب، وقد تحدث بيكون عن أنواع ودرجات التجريب من قبيل تنويع التجربة وتكرارها وإطالة أمدها ونقلها إلى فرع آخر من فروع العلم، وعكسها، أي إجرائها بصورة معكوسة، وإلغائها لدراسة الصورة السلبية لموضوع البحث ... إلخ. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التسجيل ، تسجيل نتائج التجريب في قوائم تصنيفية. وتعد «القوائم» من المعالم المميزة لمنهج بيكون، وقد أكد عليها تأكيدا؛ إذ يقول: إن الجزئيات أو الوقائع التجريبية أشبه بجيش ضخم العدد مبعثر ومتفرق، وما لم تنتظم الوقائع التجريبية المتعلقة بموضوع البحث سوف يضطرب التفكير ويتشتت ويضل طريقه، ولن يصل إلى شيء. والأمل معقود على استخدام قوائم الكشف لكي يصنف العقل الوقائع التجريبية وينظمها تبعا لدرجاتها ويحدد الأمثلة النافية، وبهذا يستطيع العقل أن يمارس عمله ويستخلص نتائج التجريب، وفقا لما تمده به تلك القوائم،
13
وهي ثلاث على النحو التالي: (1)
قائمة الحضور والإثبات، ويسميها بيكون أحيانا بالقائمة الجوهر، وهنا يضع الباحث جميع الحالات التي لاحظ عن طريق التجربة أن الظاهرة أو الطبيعة البسيطة موضوع الدراسة تتبدى فيها. (2)
قائمة الغياب أو النفي، وفيها يسجل الباحث الحالات التي تغيب فيها الظاهرة، فمثلا إذا كان موضوع الدراسة هو أثر ضوء الشمس على نمو النبات، نحاول أن نعرف ماذا يحدث لهذا النبات إذا غاب عنه ضوء الشمس، وهذه القائمة أهم القوائم وأخطرها والتي جعلت استقراء بيكون منهجا علميا وليس مجرد تعداد ساذج. (3)
Page inconnue